الخميس، 9 يناير 2020

التخلق النسبي بصفات الله الحسنى :

إعلم وفقك الله لليقين الأسنى بأن مقام الإحسان لا يكتمل حتى يكون لك من كل إسم من أسماء الله الحسنى خلق تتخلق به ظاهرا أو باطنا، إذ العمل بسورة الفاتحة - كباب لكل أعمال الإسلام - يفتح لك كل هاته الآفاق لإحتوائها على أساس كل هاته الأسماء الإلهية وهي أسماء :" الله الرب والرحمان".
 وقد أمرنا الله تعالى بقوله سبحانه: ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)، والدعاء كالذكر يدعو لفهم المعاني أولا وتذوقها ثانيا ثم العمل لها وبها ثالثا ، ومن هنا إستنبط الأولياء قدس الله أسرارهم بأن لكل إسم من أسماء الله الحسنى تخلق عدا إسم الله تعالى ، فهو للتعلق لا للتخلق، بل ولا يقر أبدا حكيم بأن تجلي هاته الأسماء في الإنسان تضاهي مثيلاتها في الألوهيةتعالى الله عن كل هذا علوا كبيرا .. فما هناك إلا نسبية في تنزيه دائم ودون أي تشبيه : إذ لا مثال لصفات الله تعالى ولا مثل له في أي مخلوق ، ولو كان المخلوق مقربا قرب جبريل أو محمد عليهما كل الصلاة وكل السلام ، فلا صفة للصانع في المصنوع إلا بنسبية ، بل وما حظنا من معرفة الله تعالى إلا كحظ  الآلة بصانعها، وكحظ الخشب من النجار ، ولله المثل الأعلى سبحانه... فتنزيه في تنزيه ، ولا تشبيه إطلاقا بين الخالق والمخلوق....  ولهذا ولبعضه ولكله نشير بأن :
إسم الله تعالى يقتضي منا العبدية والعبودة لا العبودية والعبادة فقط ، إذ العبادة مقام الإبتداء والعبودية في الوسط أما في الختام فمقام العبودة ، وتعني عبادتك وعبوديتك لله بحب وسر وأنت من الموقنين برؤاك وبشرياتك .. وهو إسم للتعلق لا للتحقق ، إذ لا تخلق للمخلوق من إسم الله تعالى دون العبدية المطلقة : فهو الله الإله المافوق كل مطلق، وأنت العبد المطلق النقائص ،والمفتقر الكامل الفقر أمامه والتام الإفتقار لا غير،بل ولا تكتمل لك هاته العبدية ولا بعض هذا التعلق بالله تعالى ما لم تتخلق نسبيا بكل أسمائه الحسنى سبحانه وهي :
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
الرحمان : وهو إسم يلزمك الحذر من كيد رحمته تعالى بكل من ضل وكل من كفر.. فالرحمة تعدت حتى كانت رحمانية لأعدائه سبحانه ،فكانت رحمة الله تعالى للكافرين رحمانية استدراج لا رحيمية غفران كما للمومنين ، بل وستر سبحانه حتى ظن الكافر أنه قد غفر، وأن ليس منه  للكل إلا الحسنى 
، ولهذا نفت كل المذاهب الضالة عنه تعالى صفات الجلال  ولمتعترف إلا ببعض صفات جماله..وبشرك دائم ،بينما  عمت رحيميته المومنين حتى كانت رحيمية من اسمه الرحيم والرحمان معا.. لا الرحمانية فقط التي وسعت كل شيء ، فقد رحم سبحانه بتجليات إسمه الرحمان حتى عذب من لم يقبل رحمته الخاصة ولو قبل رحمانيته العامة:فارحم ترحم .. بل والله  إستوى على العرش برحمانيته سبحانه ( الرحمان على العرش إستوى) ولهذا وسعت رحمته كل العالمين ، فالرحمانية رحمة عامة ، بينما الرحيمية فخاصة ، ولو إستوى بها سبحانه وبتجلي إسمه الرحيم سبحانه لما خلق في العالمين ضال ولا كافر ولا أي شر، بل ولما كان هناك وجود لشيطان .. ولهذا وجب الحذر من رحمانيته لأن لها نصيب من كيده ومكره بأعدائه : فسبحان من رحم حتى عذب برحمانيته من لم يقبل رحيميته : 
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
الرحيم : ويتطلب منك اليقين في رحمة الله الظاهرة والباطنة ، والجلية والخفية ، وأن تتخلق بهذا الإسم الرحيم لتكون لك نسبة من رحمانيته ورحيميته معا ، فتكون رحيما بخلقه كلهم ، فلا تقسوا إلا لمبدإ أو لضرورة .. فالرحمة كلها وبكل ألوانها وكل معانيها من صفات المومنين الثابتة بل وأساس كل أخلاقهم الكريمة، ومن لا يرحم لا يرحم ، و(الراحمون يرحمهم الرحمان إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) كما قال الرسول صلوات الله عليه.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
الملك : ويقتضي منك اليقين بأن لكل العوالم كما لكل العالمين ملك  واحد، ومالك  أحد، إله ورب حق، له الإطلاق في كل ملكه ،وله الملك المطلق في كل ملكوته سبحانه . عليك ما يلزم من واجبات ومن حقوق
 ما دمت من رعاياه...: فحاول أن ترجوه لحياتك الأبدية الخالدة - كما ترجوه لهاته الفانية - بكل ما يليق  به وله من تبجيل وتقدير وتعظيم وعبادة ومحبة ..فهو ملكك العظيم الأعظم، ومالكك الواحد الأحد ، وربك وإلهك الملك المالك الحق سبحانه ، مالك الملك والملكوت والملوك بكل عزة وكل جبروت سبحانه، فحاول أن تكون من خاصة رعاياه ، ومن أوفى عبيده ،ومن أخلص عباده لعلك تذوق من تجليات إسمه الملك هذا فتتغير نظرتك لكل الكون مملكته، فتكون حقا له عبدا كما هو لك رب . فأكثر من ذكر : (سبحانك يا ملك ويا مالك) وأنت تتفكر فيك وفي كل مملكته وكل خلقه لعلك تذوق ما ذاق المقربون من تجليات إسمه الملك هذا في كل ملكه وفي كل ملكوته ..  بل وسابقهم بكثرة السجود وكثرة الذكر وعميق التفكر..... ، فإنهم يتسابقون لقرب الملك المالك الحق سبحانه  من حيث لا تشعر."والسابقون السابقون أولئك المقربون"... فاعرفه تكن من خاصته.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
القدوس : ويقتضي منك التطهر الظاهري والباطني إن أردت أن تذوق من تجليات هذا الإسم ..وهو ما يصطلح عليه بالتزكية التي تقتضي التخلية من كل النقائص والتحلي بكل الكمالات .

السلام : كون الله سلما للمسلمين يقتضي إسلامك له كما يستدعي أن تكون سلما على كل الناس بالحق. وما دام السلام هو الذي لا يتركب من تناقضات ..فكذلك يجب أن يكون قولك وفعلك غير متناقضان .. حتى تكون كلك سلاما: فتنعم روحك وقلبك بروحانية النعيم الكامل ..

المومن : ويقتضي منك الإيمان به وبكل الغيب كما يقتضي منك أن يتعدى أمنك لك الناس حتى يأمنك كل مخلوق إلا بحق..وتأمل كيف أعطاك من أسمائه يا مومن فأنت مومن وهو سبحانه المومن.

المهيمن : ويقتضي منك الإعتراف بضعف سلطانك مهما بلغت في الدنيا والآخرة لأنه المسيطر على كل شيء ..

العزيز : ويقتضي منك الذلة له وللمومنين والعزة على الكافرين.. وإذا أردت العزة فأطع العزيز يعطيك من عزة الدنيا والآخرة.. فالعزة لا تكتسب بالإدعاء بل بحسن المعاملة ..وإن أقامك الله في مقام عزة فلا تتكبر.. وإن أقامك في مقام ذلة فذاك ظاهرا : أما المومن الحق فاعتزازه لا يكون إلا بإيمانه. ولا ذلة للمومن حقيقة بل ذلته لله عزته.." ولله العزة ولرسوله وللمومنين"

الجبار : ويقتضي هذا الإسم خوفك الدائم من بطشه "إن بطش ربك لشديد" حتى لا تأمن أبدا مكره.

المتكبر : ويقتضي منك التواضع له وللمومنين " لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر"
" العظمة ردائي والكبرياء إزاري من نازعني فيهما قدفته في النار ولا أبالي"


الخالق: ويقتضي منك التفكر في مخلوقاته وخلقك.. فلولاه ما كنت وهو اسم يستدعي الكثير من الشكر.. ويدعوك للتأمل في كتاب الله المنظور المتمثل في كل الأكوان.ويزيح عنك كل شرك فالإله الرب ليس سوى الخالق .

البارئ : ويستدعي الشعور بعظمة هذا الخالق الذي خلق الكل من عدم .ويقتضي كل ما يقتضي إسم الله الخالق.

المصور : ويستدعي عدم شركك معه في التصوير ، والتصوير الحرام هو تصوير الثماتيل وما فيه روح ..بينما التصوير الفوتوغرافي فهو نقل لحقائق.. والتصوير الحرام هو التصوير الخيالي الباطل.بينما يدعوك للتصور أي أخد العبرة و تمثل وتخيل الحقائق لحد اتصالك بعالم المثل بل وبالخيال المطلق الذي هو البرزخ الأعلى عند العارفين .

الغفار : ويقتضي منك عدم اليأس من مغفرته مهما بلغت ذنوبك .ويلزمك كثرة الإستغفار.

القهار : ولن تذوق معاني هذا الإسم إلا إذا أكرمك الله بالبلاء أو الفتن أو الآلام أو المصائب وصبرت .

الوهاب : وهو اسم يستدعي منك عدم اليأس من الطلب . ومبالغة الرجاء في العطاءبكل يقين في وهبه لك لكن كما شاء وكيفما وأنى شاء هو لا أنت.

الرزاق : وهو اسم يقتضي منك السعي للرزق والأخذ بالأسباب دون توكل عليها .

الفتاح : وهو الفاتح على عباده بكل الخيرات فاطلب الفتح عليك بتجلياته ووارداته بالذكر ودعائه بكل أسمائه: فهي أبواب تجلياته :" ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" ، ولكل إسم فتحه الخاص.واستفتحه لعله يفتح عليك وتكون ممن قال فيهم : " واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد"..لكن استفتاحك هذا تلزمه مقامات ومقامات لا فقط دعوات دون عزم وعمل.

العليم : ويقتضي منك التعلم فالإسلام دين العلم " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"بل والمبالغة في طلب العلم.. بل والتفرغ لذلك إن استطعت فالعلم روح الإيمان.

القابض: ويقتضي منك اليقين بأن الكل بيد الله وبالتالي الصبر على البلاء والضيق لأنهما منه. ويقتضي ذكرك الكثير بلا حول ولا قوة إلا بالله.فإن قبض عنك نفسك أو رزقك فلحكمة لا ريب.

الباسط : ويقتضي منك شكره وحمده على ما بسط عليك وعلى غيرك من النعم والمشاعروالمعاني التي لا تحصى. لكن حذاري من قلة العفة وقلة الحياء أثناء انبساط نفسك .

الخافض : ويستدعي منك رؤية مشيئة الله في كل شيء فمن ذل فبفعله ومن رفع فبفعله، وهو معنى من معاني لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ويستدعي منك خفض الجناح للمومنين
" واخفض جناحك لمن اتبعك من المومنين"فتذلل وتواضع لأهل الإيمان.

الرافع: ويستدعي منك طلب العزة بالله فهو المعز الرافع وحمده على المكانة التي أولاك بها بين الناس وأن جعلك بفضله من أمة المسلمين..فهي أكبر رفعة .

المعز : ويستدعي منك الإعتزاز به وحده مما يعني العزة بطاعته والشعور بالمذلة في معصيته، وأن تطلب العز كله به لا بسواه.فاعتزز إذن بالعزيز المعز تعز.فلا معز سواه.ولتكن شديدا على الكافرين رحيما مع المومنين : فتلك عزتك .

المذل: ويقتضي منك التذلل له بالطاعة فتلك عزتك لا الإعتزاز عليه بما لديك فتلك المذلة ، وكم من ذليل لا يحس بمذلة الله له وكم من عزيز في ثوب ذليل.والذلة لا تكون منك إلا للمومنين " أذلة على المومنين أعزة على الكافرين " فتواضع لأهل الإيمان واسم عن أهل الكفر والضلال.

السميع : ويقتضي منك حفظ لسانك فأنت تتكلم بحضرة رب عظيم سميع.. وحصر لسانك على كل أنواع العبادات القولية أمر هذا الإسم .كما يوجب عليك حفظ الأذن عن سماع المحرم المشين.من كذب وغيبة ونميمة ولغو وفحش وبداءة وغناء ساقط. .

البصير : ويقتضي شعورك بأن عين الله لا تنام وتراقبك في كل صغيرة وكبيرة مما يقتضي منك حفض كل الجوارح والجوانح. لحد وصولك إلى مقام المراقبة " فإن لم تراه فإنه يراك " وربما إلى مقام الكشف والشهود " أن تعبد الله كأنك تراه " وتلكما الإحسان. كما يستدعي حفظ البصر عن النظرة الحرام خصوصا للكاسيات العاريات سترهن الله عن أعين شبابنا ورجالنا وأطفالنا.

الحكم : ويقتضي منك الدود عن كتابه وشريعته ليكونا حكما بين المسلمين، واليقين بأنه وحده حكم حاكم يوم الحساب. وعدم تحكيم الجاهلين في أي من أمورك . ولن يكون ذلك إلا برضائك بما قضاه عليك من قدر .

العدل : ويقتضي منك الدود على العدل ليسود واليقين بأن الله ليس بظالم لأحد دنيا ولا آخرة .ف"كل شيء عنده بمقدار"

اللطيف : ويستدعي سعيك بين الناس باللطف والإحسان واللين وكل خلق حسن وبكل رفق. وألا تكون كثيف الفكر ولا القلب والروح والنفس وهذا لن يتم دون ذكر " فالفكروحده يوحش لكن الذكر يلطف"

الخبير : ويقتضي يقينك أن الله خبير بكل شيء فتغيب عنك كل ألوان المراوغات والكيد والخداع لعلمك أن الله لا تخفى عنه خافية .كما يوجب عليك تدبر خبرته فيك وفي كل شيء :
ففي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد كما قال الشاعر
كما يستدعي منك الخبرة في العلم وخصوصا علوم الدين فالخبرة في الشيء ليست تعلمه فقط: وتستدعي منك النباهة والعمق وبداهة الذاكرة.ولا تعجز على الأقل أن تكون خبيرا بعيوب نفسك فدون ذلك لن تفلح : وحداري من الحيل النفسية التي لن تشعر بها إلا بتربيتنا الروحية هاته التي نعطيك اليوم كل مقاماتها وأحوالها ولوازمها.


الحليم : ويستدعي منك السماحة والتسامح وكل أخلاق العفو والعفة والحلم كما يعاملك سبحانه بها. ومن عفى عفى الله عنه.

العظيم : ويقتضي منك التقدير والتبجيل لهاته العظمة بالإمثتال الصادق للأمر والإجتناب الخالص للنهي .وأن تتامل عظمته تعالى في عظمة اسمائه وصفاته ثم عظمة أدنى مخلوقاته الذي هو هذا الكون والخلق الدنيوي الذي نراه ..فلذاته عظمة ولصفاته وأسمائه ولأفعاله سبحانه..وهو وحده العظيم فحداري من تعظيم مخلوق مثل ما تعظم معبودك تعالى وعز وجل.

الغفور: ويستدعي منك كثرة الإستغفار، وفي كل الأحوال والأوقات وعلى كل الأقوال والأفعال، واستغفر لطاعتك كما تستغفر لمعصيتك ..وإن لم يغفر الغفور لك فلا استغفار لك .

الشكور: الشكر شكران: شكر متعلق بالنعم يوجب عليك شكر الله لما أسدى لك : وهو بداية الشكر ، وشكر لا يتعلق بنعمة بل تحمد محبة لذات المنعم سبحانه وهو شكر المحبة ..ولا يتم شكرا ك هذين حتى تعترف بأن لا شكرلك .فإن حمدت الله فتوفيقه لك لتحمده يستوجب حمدا آخر.

العلي : ويقتضي منك التخلق به بكل تواضع ..فتتعالى عن كل الدنايا لتعيش حياة المعالي وترتفع بذاك همتك : فعلو الهمة من الإيمان. فتكون سماويا لا دنيئا في أسسك وآفاقك وحسك ومعناك وفكرك ومطامحك ومعاملاتك كلها.

الكبير: فالله أكبر من كل ما تتصور..لذلك يستدعي هذا الإسم كثرة ذكرك" الله أكبر"..لكن حذاري أن تجسد كبره سبحانه ..وتقارن كبره بكبر أي موجود لأنه الواجد إذن موجد الوجود فهو بذلك فوق الوجود.. وله كبر معنوي نلمسه في كل أسمائه لكن كبره الداتي لا يعلمه إلا هو سبحانه.

الحفيظ : فهو الحافظ لكل الأكوان وما بها لهذا يستدعي منك هذا الإسم طلب الحفظ في كل ما تملك فاجعله وردا ترى فيه لطفا..

المقيت: أي هو الذي يقدر لكل أمر زمانه مما يستدعي منك عدم العجلة في أي من أمورك ،وأن تعرف أن الله لكل شيء مقدر..فهو رب كل الأقدار وما عليك إلا التسليم لأقداره سبحانه.وهو الذي يقدر لا أنت فلا تتأله عليه من حيث لا تشعر وتطلب أمورك كما تشاء أنت لا كما شاء هو فهو الرب وأنت العبد ..فكل واشرب والبس ما يرزقك مولاك واطلب منه حوائجك بأدب العبودية وكن على يقين أنه سيعطيك ما لا يخطر لك حتى طلبه ..فهو كريم والكريم يعطي حتى قبل أن يسأل " فلا تشكن في كرمه" وهو المقدر لهذا الكرم فهو المتصدق عليك يا فقير فارجه بكل مسكنة وتواضع وقد قدر لك وقت للعطاء فهو المقيت .

الحسيب : ويستدعي منك الوجل والحذر في كل أعمالك لأنك ستحاسب عليها من لدنه سبحانه .. والرسول صلوات الله عليه يقول :" ما نوقش أحد الحساب إلا عذب " فاستغثه ألا يحاسبك إلا حسابا يسيراولن يتأتى لك ذلك إلا بالصبر لطاعته وعن معاصيه :" إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"

الجليل: فهو ذو الجلال الكامل سبحانه وتعالى ..فوجب عليك استقبال هذا الجلال العظيم بما يليق من التنزيه والتكبير والتسبيح وكل شروط العبادة..فاسم الجليل يستدعي منك كبير التنزيه.
وجلاله يوجب لك الهيبة الكاملة وإن كان جماله يوجب لك الرجاء الكامل ..فاعبده دوما بأسماء الجلال والجمال حتى تتوازن ..فإن طغى الجلال استوحشت وإن طغى الجمال خفت رزانتك ..فاعبده جليلا جميلا لعلك ترقى لتذوق كل صفات الجلال والجمال..وأسماء الجلال ثقيلة لا يستطيعها ولا الأنبياء فلا تطلب تذوقها واطلب معاني جمال الجلال لا الجلال تكتمل رجولتك : وليس ذلك إلا للكمل من المحسنين.

الكريم: والكريم هو الذي يعطي دون أن يطلب منه فما بالك لو طلبت منه : وهو باب من أبواب استجابات الدعوات فلا تغفلن عنه. فاعط لمن يستحق دون أن تنتظر سؤاله تكن كريما.

الرقيب: وهذا الإسم يرقى بك إن خلصت إلى مقامات الإحسان :" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وهذا الحديث يحتوي مقاما أولا هو مقام المراقبة الذي تستشعر رؤية الله لك فيه ..ثم بعده مقام المشاهدة والكشف الذي تتمثل لك فيه رؤية الله " ولله المثل الأعلى " وهو مقام لا يذوقه إلا من اجتباه سبحانه للدرجات العلى .ويستدعي منك هذا الإسم أيضا مراقبتك لنفسك .

المجيب : ويستدعي منك كثرة الدعاء بهذا الإسم فهو كنز الإجابات فلا تغفلن عن الدعاء به يستجاب لك لاريب:"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان"كما يفتح لك كل آفاق الدعلء فأكثر فأنت تدعو مجيبا.

الواسع: وهو الذي وسع علمه وسلطانه كل شيء "لا يعزب عن ربك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء" والدعاء بهذا الإسم يفتح لذي الألباب كل آفاق الملكوت ..فادع به مثنيا به على الله طالبا السعة في كل رزقك :والرزق ليس هو المال فقط .

الحكيم: ويقتضي منك هذا الإسم الحزم في أمرك فمعبودك حكيم..ثم التعبد له بطلبك للحكمة والعمل بها والسعي لأهلها:" الحكمة ضالة المومن أينما وجدها فهو أحق بها"ولن تفهم هذا دون تحكيمه في كل أمورك .

الودود : ويقتضي منك التودد له سبحانه كما يتودد لك بأنواع النعم والفضائل والمنن ..كما يستدعي هذا الإسم مودتك لكل المومنين ..فمودتك لهم تودد لله عز وجل. فاطلب مودته عز وجل فهو القائل: " يا ابن آدم أنا لك محب فبحقي عليك كن لي محبا"

المجيد : ويستدعي منك التمجيد والتعظيم والتبجيل بكثرة الذكر والعبادة ..وتمجيده يستدعي الكثرة من عبادته واللهج بكثرة ذكره ..والفرح بهذا الإسم خصوصا أيام العيدين والجمعات. فهو ملك مجيد .

الباعث : ويقتضي منك تذكر البعث وكل خصائصه ..والشعور الحق بقدرة هذا الباعث العظيمة الذي في مقدرته كل شيء :" إن الله على كل شيء قدير" مما يجعلك تتذكر القبر أولا وبرزخه ثم القيامة وأهوالها فالجنة وجهنم أعاذنا الله سبحانه وتعالى منها.ولن تفهم هذا إلا بقراءتك عن البعث .

الشهيد : وأعمال هذا الإسم تشابه كل مقتضيات إسم الرقيب والبصيروهي إسماء تدعوا لكل معاني الإحسان ..فحذاري إن الحق تعالى هو الشهيد عليك. .ولن تكتمل لك حقيقة هذا الإسم إلا إذا كنت شهيدا أو من الله عليك بمقام الشهود الذي ذكرنا من قبل0.

الحق : ويستدعي منك التشبت بالحق والدفاع عنه ومؤازرة أهله.. والبحث والسعي للحقيقة.. والفرار من كل البواطل وأهلها.

الوكيل : ويقتضي منك التوكل الكامل عليه سبحانه ..وليس المتوكل من ترك الأسباب فذاك متواكل أوعاجز بل المتوكل من اتخد بالأسياب ثم رجى بركات الوكيل سبحانه.فالله وكيل عليك يدافع عن المومنين فكن مومنا يكن لك وكيلا.

القوي : ويقتضي منك السعي لكل أسباب القوة ف:" المومن القوي خير وأحب إلى الله من المومن الضعيف وفي كل خير"" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"

المتين : ويقتضي منك إحكام الأعمال وإتقانها وأن يكون عملك متينا وصلتك بالله وبالمومنين أيضا متينة.

الولي : ويقتضي أن تجعل الله لك وحده الولي.. وتوالي به كل المومنين لعله يوليك .

الحميد : ويقتضي منك كثرة حمده لحد الفناء في حمده فتلك من أعلى المقامات.فاحمده تكن محمدا.

المحصي : ويقتضي منك كل ما اقتضاه إسمه الحسيب من مراقبة لأعمالك لأنها محسوبة عليك

المبدئ : ويقتضي منك كل ما يتطلبه إسمه الخالق من شكر على إيجادك بعد أن لم تكن شيئا مذكورا ..وتعلم أن لا دخول لك في أمر إلا بإدخال الله لك فيه.

المعيد : ويستدعي منك الحمد الكثير لهذا الرب العظيم الذي سينقذك من الموت مرة ثانية ويعيد لك جسدك وروحك ومصيرك الذي هو اليوم بين يديك :إن عملت حسنا فحسن وإن عملت سوءا فسوءا..

المحيي : يقتضي منك هذا الإسم تذكر الموت وأهوالها ثم يوم البعث بكل خصائصه..و يقتضي منك حمد هذا الحي القيوم الذي سيحييك بعد مماتك ..ألا يستحق الحمد وهو يهب لك الحياة مرة ثانية ؟

المميت : كما يقتضي منك هذا الإسم الخوف من قدرته عليك يقتضي كذلك حمده على الموت نفسها فللموت حكم عديدة ..ولولاها لضاقت الأرض بالمخلوقات ولما حلت الحياة فسبحانه من مميت حكيم..

الحي : ويقتضي منك الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى حي لكن حياته ليست كحياتنا ولا ذاته كذواتنا سبحانه..

القيوم : ويقتضي إيمانك بقيام الله قياما كاملا بكل أمور الربوبية وما تستحقه الألوهية من عنايات وكمال في الجلال والجمال وما لانعلم ...

الواجد : ويقتضي يقينك بأنه هو الواجد لكل الوجود ولولاه لما كان وجود..فهو فوق الوجود سبحانه.

الماجد :ويقتضي منك التعظيم والتكبير والتسبيح والتنزيه لهذا القيوم الماجد سبحانه.

الواحد : ويقتضي منك اليقين بوحدانيته وكثرة الهيللة ودراسة علوم التوحيد لتعميق توحيدك..
وهذا من موجبات الإيمان بوحدانيته تعالى ..فكما أن كل مخلوق له ذاته الواحد فالله واحد فكيف نشرك بوحدة الذات والصفات وما من مخلوق نفسه إلا وهو واحد.

الصمد : إذ هو السيد الذي لا يرجى غيره فلا تخف ولا ترج سواه واسأله تجده مجيبا قريبا فهو الصمد.

القادر: إذ هو على كل شيء قدير ..ومقدرته عليك تستدعي منك الذلة والعبودية الكاملة له.

المقتدر: إذ قدرته تفوق كل قدرة مما يستدعي كثرة سؤاله والتوكل عليه

المقدم : يستدعي منك اليقين بأن كل ما مضى كان مقدرا ومحتوما

المؤخر : يستدعي منك اليقين في أن كل الآتي عنده سبحانه بقدر

الأول : إذ ليس قبله شيء مما يعمق ويؤكد ربوبيته وألوهيته

الآخر : إذ ليس بعده شيء مما يستحيل على المخلوق فالمخلوق تستحيل عليه الأولية والآخرية في وقت واحد وهذا من المستحيلات إلا له سبحانه مما يؤكد أن لا إله سواه

الظاهر:بأفعاله عز وجل وكلامه وأسمائه ..

الباطن : بذاته وصفاته سبحانه..

الوالي : إذ هو الوالي على كل شيء مما يجعل كل أمر وكل شيء بيده ومما يستدعي كثرة السؤال والرجاء والطلب..وبأن لا واسطة بينك وبينه فهو المتولي لكل امورك مباشرة فلا تطلب سواه تعالى.

المتعالي : فهو سبحانه علي عن وجودنا كله لكن لكرمه تفضل بربوبيته وألوهيته للعالمين مما يستدعي التعظيم والتبجيل والتسبيح والتنزيه

البر : " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " فخيراته وخيره على العالمين لا يعد مما يستدعي كثرة الشكر والسؤال ..فبره بنا لا يحد .فأكثر من اعمال البر كلها لعلك تذوق معنى من معاني هذاالإسم

التواب : فهو العفو الغفور التائب على من رجع له مما يستدعي الإسراع في التوبة وطلب المغفرة :
" فكل بني آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابون" فاطلب منه التوبة فلا توبة إلا لمن تاب هو عليه :
" وتاب عليهم ليتوبوا"

المنتقم : مما يقتضي الخوف " إن بطش ربك لشديد" فربما أصابك بفتنة أو بلاء أو كنت من حطام جهنم " لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون" فارج وخف ولا تأمن. واعلم أن الله سينتقم من كل ظالم جبار فهو يمهل ولا يهمل.

العفو: فهو سبحانه الغفور التواب على من أناب إليه فارجع إليه واطلب منه العفو ..والعافيةمن كل مصيبة في دينك أو دنياك تجده عفوا غفورا. مما يقتضي عليك العفو بدورك على من ظلمك .

الرؤوف : ويقتضي منك العطف والرحمة والرأفة بالمسلمين والأقارب بل وكل الناس ..

مالك الملك ذو الجلال والإكرام: فهو المالك لكل شيء.. والجليل المتكرم سبحانه: مما يقتضي منك الشعور بأن لا ملكية ولا ملك لأحد على الحقيقة ويستدعي تعظيمه وحده سبحانه .وقد اوصى الرسول بكثرة ذكره بقوله :" ألظوا بذي الجلال والإكرام"وهي دعوة للذكر بكل الأسماء وبهذا خاصة.

المقسط : إذ هو الحكم العدل مما يجعلك تطمئن لعمل الخير " فلن يثركم أعمالكم "

الجامع : فهو الذي يفرق ويجمع كما شاء سبحانه ..ويقتضي منك الأمل في كل ما افترق ..كما يستدعي تذكر يوم الجمع: يوم يجمع الله الأولين والآخرين مما يستدعي الزهد والحرص على العمل للآخرة .وتذوق هذا يستدعي تصور يوم الجمع .

الغني: فهو وحده الغني على الحقيقة وهو غني عن كل شيء بينما كل المخلوقات إلا وهي مفتقرة إليه سبحانه.. مما يستدعي الشعور بالفقر والإفتقار إليه ذاتيا والرغبة في ما يطمح له من نعم ثانيا ..

المغني : ويستدعي ألا تطلب الغنى إلا منه سبحانه وبالطرق الحلال.

المانع : ويستدعي أن ترى حكمة المسبب في السبب فإن منعت من شيء لسبب ما فاشعر بأنه المانع لحكمة ما لا السبب.. مما يفيض عنك الرضى بقضائه وقدره سبحانه.

الضار : فما أصابك من مصيبة فمنه سبحانه مما يستدعي منك الصبر احتسابا لأجره بل لوجهه الكريم سبحانه..لكن مصيبتك منه لا مباشرة ومن نفسك مباشرة:" ما أصابك من سيئة فمن نفسك "

النافع : فلا تطلب المنفعة إلا منه سبحانه ومن سبيل حلاله فكل نفع لا يأتي من هذا الطريق فهو مضرة لك من حيث لا تشعر.

النور: ويستدعي منك تنوير فكرك بالعلوم النافعة وتنوير قلبك بالأخلاق الباطنة الحسنة إلى أن يفيض أنواره على روحك فتصبح ذو بصيرة متنورة مطمئنة وذاك هو فلاح الدنيا والآخرة

الهادي : فاعلم أن لا موفق لك للهداية إلا هو سبحانه وتعالى مهما أرشدك المرشدون ومهما تعلمت.. لهذا جعل أوكد الأدعية له منك قولك "إهدنا الصراط المستقيم " فاستهده بصدق يهدك سبحانه..

البديع : فهو البديع بذاته والمبدع لكل المخلوقات فهو مالكها إذن.. فينبغي أن تشعر حقا بعظمة هذا الإبداع في كل شيء: فلا يستطيع مخلوق إبداع مثل ما أبدع سبحانه..ولا أن يشابهه:
" ليس كمثله شيء"

الباقي : فهو وحده الذي له البقاء الحق وكل ما دونه فان.. ومن بقائه يستمد كل مخلوق بقاءه في الآخرة :مما يستدعي منك الشعور بفنائك لحد إفنائك لشهوات نفسك ومطامعها وبقائك بروحانيتك :فذاك هو البقاء الذي يريد منك سبحانه في الدنيا والبرزخ قبل الآخرة.

الوارث : فمصير كل خلق إليه سبحانه مما يستدعي منك بدل الغالي والنفس والنفيس في سبيله لأن ميراث كل شيء سيؤول له وحده سبحانه ،ثم يورث عباده الصالحين ما يشاء ..فاسع للصلاح إن أردت أن تنال من ميراثه عز وجل .

الرشيد : فهو ذو الحكمة البالغة والهادي لها سبحانه: فاطلبه ان يلهمك رشدك حتى لا تكون من المتهورين الذين يضيعون أعمارهم سدى ويخسرون فرص الأعمال الصالحة المتاحة لهم في هذا الدنيا.. ولتتعلم ولتعمل العمل الصالح يرشدك بحوله وقوته سبحانه.وإن رشد القلب اهتدى.


الصبور : ويستدعي منك التخلق بالصبرفتصبر مهما ابتلاك... فعظم الجزاء مع عظم البلاء.. فاطلبه أن يلهمك الصبر فكل محسن إلا وهو مبتلى في هاته الدنيا فتصبر يصبرك سبحانه.كما يلزمك تعظيم وحمد هذا الرب العظيم الذي رغم قدرته المقتدرة يصبر بكل حكمة وعظمة ومجد وكبرياء.

وهكذا ترى يا أخي يا طالب النور والهدى: أن لكل إسم من أسمائه سبحانه أعمال ظاهرة أوباطنة من الواجب على من يسعى للإحسان التخلق بها لعل الله ينعم عليه بدعاء الهدى الذي يكرره دوما في هاته الفاتحة المباركة ..ولهذا يوصي العديد من العارفين بقولهم :" تخلقوا بأخلا ق الله " فهناك أسماء تستدعي منك التمثل بها كما أن هناك أسماء تقتضي منك ضدها..كما أن هناك أخرى عقائدية تعمق إيمانك وافتقارك التام له سبحانه.وبالتخلق بالأسماء الإلهية تكتمل فيك الألوهة حيث أن الإنسان وحده من المخلوقات التي تكتمل حقا فيها العبودية" لأنه يجمع بين كل صفات الكون ظاهرا كما يمكنه التخلق بالعديد من صفات الحق المجازة له باطنا " ولهذا كان الرسول والنبي ثم الولي الذي تكتمل فيه الألوهة حقا برزخا بين الذات الإلهية وعالم الخلق وكانوا حقا من حقائق الله تعالى التي لا يعلم كنهها إلا هو سبحانه. فصلاة الله وسلامه على سادتنا الأنبياء ورضى الله على كل الأولياء.
وهناك من يصغر من قيمة الولي شريعة مستشهدا بقوله تعالى :" ألا إن اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين ىمنوا وكانوا يتقون " فاعلم ان الإيمان والتقوى من فرائض الإيمان ..لكن المحبة والنورانية والعناية الربانية واستجابة الدعاء والإستعاذة من آفاق الولاية الحقة الكاملة فتأمل أخي: صفات الولي الذي جاءت عن رسول الله بحديث قدسي:" من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه :فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإذا دعاني أجبته وغن استعاذني لعيذنه"

فالولي تحرم عداوته وهو محبوب من الله مسير به كل سكناته وحركاته بالله ودعواته كلها مستجابة كما شاء الله تعالى ..فذاك هو الولي والتقوى والإيمان فرضا الولاية لا صفاتها.

والولي من اكتملت له من الله نورانية السمع والبصر والحركة والسكون .فتنور ثم نور:

المستوى الثالث

محبة الله تعالى :

مقدمة:
إن محبة الله عز وجل هي قوت القلوب.. وغذاء الأرواح.. وقرة العيون .. وسرور النفوس .. وروح الحياة.. ونور العقول...
 ومن حرمها فهو من جملة الأموات ..ومن فقدها فهو في بحار الظلمات .
فإعلم رحمك الله تعالى أن حب الله تعالى شرط من شروط الإيمان كما قال الله تعالى: 

(( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ))البقرة 165.
 فقوله تعالى: (( والذين آمنوا أشد حبا لله )) يدل على أن حب الله ينبغي أن لا يساويه حب.. وأن حب الله لابد أن يستحوذ على القلب كله، وله وحده سبحانه وتعالى:
 فيكون حبه كنواة وما عداه يدور في فلكها كالمجموعة الشمسية .
قال تعالى: (( قل إن كانَ آباؤكُم وأبناؤكم وإخوانكُم وأزواجكُم وعشيرتُكُم وأَموالٌ اقترفتموها وتِجَارةٌ تَخشونَ كسادها ومساكنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إليكُم من اللهِ ورسولهِ وجَهَادٍ في سَبيلهِ فَتَربَّصُوا حتى يَأتِيَ اللهُ بأمرهِ واللهُ لا يهدي القومَ الفَاسِقِينَ )) التوبة 24

دلت الآية: على أن حب الله وحب رسوله والجهاد في سبيله فرض وأنه لا ينبغي أن يكون شيء سواه أحب إلى أهل الإيمان منه.. وبمثل ذلك جاءت السنة :
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 
(( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: 
أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
 وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله 
وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يوقد له نار فيقذف فيها )) رواه البخاري .

أولا: الأسباب التي تستجلب بها محبة الله تعالى:

1- معرفة أسماء الله وصفاته الذاتية والفعلية .
2- معرفة نعمه تعالى على عباده .
3- كثرة ذكره سبحانه وتعالى مع حضور القلب .
4- تلاوة القرآن بالتدبر والتفكر . 
فمن علامة حب الله حب القرآن .

5- الإخلاص لله تعالى في الأقوال والأفعال .
6- تذكر ما ورد في القرآن والسنة من رؤية أهل الجنة لله تعالى في الجنة وزيارتهم له تعالى واجتماعهم يوم المزيد والكلام معه تعالى بدون ترجمان ولا حجاب .
7- حب ما يحبه الله وبغض ما يبغضه الله تعالى .
8- موالاة أولياء الله عز وجل ومعاداة أعدائه .
 


ثانيا:  الأسباب التي يستجلب بها العبد محبة الله له منها:

1- انكسار القلب وخضوعه لله تعالى في كل الأوقات .
2- متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأخلاقه ظاهراً وباطناً قال تعالى:

 (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )) آل عمران 31:
فهذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم :فإنه غير صادق في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله .
3- الإكثار من النوافل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال عبدي يتقرب إلى بنوافل حتى أحبه )) رواه البخاري .
4- الخلوة به تعالى وقت نزوله سبحانه وتعالى في الثلث الآخر
 من الليل كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له )) رواه البخاري ومسلم .‌
5- مجالسة الصالحين الصادقين .
6- الزهد في الدنيا فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أزهد في الدنيا يحبك الله )) رواه ابن ماجه والطبراني وصححه الألباني .


ثالثا: علامات محبة العبد لله تعالى : 

1- المداومة على ذكر الله بالقلب قبل اللسان .
2- الشوق إلى لقاء الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن لم يحب لقاء الله لم يحب الله لقاءه )) رواه النسائي والترمذي وصححه الألباني .
3- الإكثار من تلاوة القرآن على جهة التلذذ والاستمتاع .
4- الرضا بقضاء الله في السراء والضراء
5- المتابعة المطلقة للرسول صلى الله عليه وسلم .
6- الخوف منه تعالى والبكاء على الخطيئة .
7- الرجاء في رحمته في حال الضعف .
8- الزهد في الدنيا . 


رابعا: محبة الله اسم لمعان كثيرة منها : 

أحدها : الاعتقاد أنه سبحانه وتعالى محمود من كل وجه لا شيء من صفاته إلا وهو مدحه له .
الثاني : الاعتقاد أنه محسن إلى عباده منعم متفضل عليهم بالإيجاد والإمداد.. ..
الثالث : اعتقاد أن الإحسان الواقع منه عز وجل أكبر وأجل من أن يقابله قول العبد وعمله .
الرابع : أن تكون آماله منعقدة به عز وجل ولا يرى في حال من الأحوال أنه غني عنه تعالى .
الخامس : أن يحرص على أداء فرائضه والتقرب إليه من نوافل الخير مما يطيقه .
فتأمل في ثمرة محبة الله لعبده في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء قال: ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه قال: فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فابغضوه قال: فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض )) 

خامسا: الحب العرفاني:

أما أهل العرفان فإختصوا في أذواق هاته المحبة حتى قال بعضهم بأن الحب الإلهي لا يشرح بل يذاق.... :
وفي سلوكهم لله محبة له وفيه وبه رسموا لنا العديد من أحوال ومقامات حبهم القدسي  الإلهي هذا رغم غلو بعضهم في هذا لحد محاولة إثبات أحوال التأله والفناء والسكر كمقامات لا كأحوال وشطحات فقط ...:
الأمر الذي جعل بعض المتصوفة يغرقون في فلسفة وحدة الوجود والحلول التي ما أنزل الله بها من سلطان.
فما الفناء والسكر في محبة الله إلا حالان كالعديد من أحوال السالكين ،وليستا بمقامان كما يومن فلاسفة وحدة الوجود والإتحاد والحلول ... فالخلق خلق والخالق خالق، والعبد عبد والرب رب سبحانه.
عن الويب بتصرف

سلامة الصدر

باسم الله الرحمان الرحيم ..

لقد حرص الإسلام حرصًا شديدًا على تأليف قلوب أبناء الأمة، بحيث تشيع المحبة وترفرف رايات الألفة والمودة، وتزول العداوات والشحناء والبغضاء والغل والحسد والتقاطع .
ولهذا امتن الله على المؤمنين بهذه النعمة العظيمة فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) [آل عمران:1033].
بل وامتن على نبيه صلَى الله عليه وسلم بأن أوجد له طائفة من المؤمنين تألفت قلوبهم: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال:62، 63].
وحتى تشيع الألفة والمودة لابد من سلامة الصدور، ونقصد بسلامة الصدور طهارتها من الغل والحقد والبغي والحسد ومن كل الآفات الباطنة.
والحديث عن هذه القضية وهذا الخلق حديث مهم وتذكير لابد منه في وقت انشغل أكثر الناس بالظواهر واستهانوا بأمر البواطن والقلوب مع أن الله تعالى لا ينظر إلى الصور ولا إلى الأجساد، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، ولأن الله تعالى قد علَّق النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:888، 89].
والقلب السليم هو القلب السالم من الشرك والغل والحقد والحسد وغيرها من الآفات والشبهات والشهوات المهلكة.
ثم إن رسول الله صَلى الله عليه وسلم يقول: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" [البخاري].
فضل سلامة الصدر ومنزلتها عند الله تعالى:
فيا صاحب القلب السليم أنت من صفوة الله المختارة فقد سألوا رسول الله صَلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس، فقال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان"فقالوا: صدوق اللسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: "التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".
ثم نقول: إن سلامة الصدر سببٌ من أعظم أسباب قبول الأعمال الصالحة :
فقد قال صلى الله عليه وسلم:
"تعرض الأعمال كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرءً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا". رواه مسلم
فانظر كم يضيع على نفسه من الخير من يحمل في قلبه الحقد والحسد والغل؟!!

فسلامة الصدر أسهل طريق إلى الجنة:
فأول زمرة تدخل الجنة: "...لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد.."[البخاري].
وقصة عبد الله بن عمرو مع ذلك الرجل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" معروفة فقد عاشره عبد الله ثلاث ليال فلم يجده كثير التطوع بالصلاة أو الصيام فسأله عن حاله فقال الرجل: "ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشًا ولا أحسُد أحدًا على خير أعطاه الله إياه".فأعلنها ابن عمرو صريحة مدوية :هذه التي بلغت بك...
وقد أخبر الله تعالى عن حال أهل الجنة فقال:
(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ) [لأعراف:43].
 (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:477].
الله يمدحهم:وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:9، 10].
فهيا إخواني وأخواتي نطهر قلوبنا من الحقد والغل والحسد حتى نسعد بصحبة الأبرار الصالحين، ونفوز بالقرب من رب العالمين، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن عبادٍ ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء، على مجالسهم وقربهم من الله، فلما سئل عنهم أخبر أنهم أُناس لم تصل بينهم أرحام متقاربة.. لكنهم تحابوا في الله، وتصافوا..
فهلا سلمت صدورنا للمسلمين وصفت؟

فمن أثرها على الفرد والمجتمع:
أن يفوز صاحب الصدر السليم بكل الفضائل التي سبق الحديث عنها والنتيجة المباشرة لها وهي:
· راحة البال والبعد عن الهموم والغموم.
· اتقاء العداوات.
. وأن يكون المجتمع متماسكًا متراصًا متكاتفًا ترفرف عليه رايات المحبة والإخاء ويصدق عليهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمى". [صحيح مسلم].

ولكم إخوتنا الكرام الأسباب المعينة على سلامة الصدر:
1- الدعاء: فإنه من أعظم الأسباب لتحقيق المقصود ، وكان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم :(وأسألك قلبًا سليمًا)، فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه. كما أثنى الله على المؤمنين لدعائهم:(وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا).الحشر 10
2- حُسن الظن وحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحاملقال عمررضي الله عنه : لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
3- إلتماس الأعذار وإقالة العثرات والتغاضي عن الزلات: فقد جاء في الأثر : إلتمس لأخيك سبعين عذرًا.
4- ادفع بالتي أحسن : وليس هذا من العجز، بل من القوة والكياسة قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34).
5- البعد عن الغيبة والنميمة وتجنب كثرة المزاح.
6- معاملة النمام بما يستحقه: فهو[فاسق - هماز مشاء بنميم - بريد الشيطان].
7- الهدية والمواساة بالمال فإنها من دواعي المحبة.
8- الإيمان بالقدر ، فإن العبد إذا آمن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بما هو فيه ولم يجد في قلبه حسدا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه.
9- تذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يشكر ربه على النعم التي أنعم بها حتى على غيره من الخلق حين يصبح وحين يمسي.
رزقنا الله وإياكم صدورا سليمة لا تحمل غلا ولا حسدا ولا حقدا.
ومن واجب كل هذا أن لا تكتفي بتربية أستاذك أو شيخك بل تكون شيخ نفسك أيضا:

فمن وسائل تربية المسلم لنفسه :
1-   التعبد لله والصلة به والاستسلام له . وذلك من خلال العناية بالفرائض وتطهير القلب من التعلق بغير الله .
2-   كثرة قراءة القرآن وتدبره والتفكر في أسراره .
3- قراءة الكتب الوعظية النافعة التي تصف دواء القلوب وعلاجها مثل مختصر منهاج القاصدين وتهذيب مدارج السالكين ، ورياض الصالحين ، والفتح الرباني والفيض الرحماني لعبد القادر الجيلاني ، والحكم العطائية وغيرها..
4-   التفاعل مع البرامج التربوية : كالدروس والمحاضرات .
5-   الحفاظ على الوقت وشغله بما ينفع العبد في دنياه وآخرته .
6-   عدم الإكثار من المباحات وإيلائها العناية الكبيرة .
7- الصحبة الصالحة والبحث عن الجلساء الصالحين ،الذين يعينون على الخير ،أما من يعيش في عزله فإنه يفقد كثيراً من المعاني الأخوية كالإيثار والصبر .
8-   العمل والتطبيق وترجمة المعلوم عملياً .
9-   المحاسبة الدقيقة للنفس .
10-   الثقة بالنفس ـ مع الاعتماد على الله تعالى ـ: لأن فاقد الثقة لا يعمل .
11-   مقت النفس في ذات الله وهذا لا ينافي ما قبله فعلى الإنسان أن يعمل مع ظنه أن في نفسه الخلل .
12-  العزلة الشرعية : أي لا يكون مخالطاً للناس في جميع أوقاته بل يجعل لنفسه أوقاتا يخصها بالعبادات والخلوات الشرعية.
13 : الحفاظ على أذكار الصباح والمساء ، وتخصيص ولو دقائق قليلة في اليوم لحمد وشكر ومدح  الله تعالى.
14: عبادة الله تعالى محبة له لا لغاية أخرى مهما عظمت.
15: تجنب كل ما يكدر صفاءك الروحي وطمأنينتك القلبية .
 نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا ويجعلها منقادة لما يحبه الله ويرضاه 
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
والحمد لله رب العالمين.

تقديم

                                           بإسمك الأعظم اللهم :

مقدمة عامة :

بعد أن أشرنا لك يا مريد وجه الله تعالى في مستوانا الأول  ومستوانا الثاني لكل أسس عملنا الصوفي  ..
وبالتوبة النصوح كبداية وكل فروضها ، وكذا أولى مقامات قبولها ..
مع التأكيد على سلامة صدرك ، ومحبتك لله تعالى وعلو همتك كغايات كبرى ..
أؤكد لك أخي المومن بأن لكل مريد تصوفه ..
 وما الأحوال والمقامات التي سنشير بها لك في مستوانا الثالث إلا تجاريب خاصة ، ليس من الواجب عليك دراستها والإلتزام بها حرفيا كما عهدنا لك في مستوانا الأول ومستوانا الثاني .
بالرغم من أنها منازل وأحوال أجمع عليها معظم أولياء الله الصالحين قدس الله أسرارهم :فكما قعد لنا أئمة الفقه كل علوم الشريعة ، أشار العديد من أولياء التصوف لهاته الأحوال وهاته المقامات:
 كسنن للسلوك القلبي والروحي نحو رحاب الله تعالى ..
 
والتي نجملها بعد كل فرائض الإسلام وبعد كل أركان الإيمان في :
مقامات العبادة :
كالتوبة والورع والزهد والصبر والتوكل والرضى ، مع إجتناب كل النقائص الظاهرة....
وأحوال العبودية والإرادة :
كالخوف والرجاء والقبض والبسط والهيبة والأنس والتواجد والوجد والوجود ..
وأحوال العبودية والولاء :
كالفناء والبقاء والجمع والفرق والغيبة والحضور والمحو والإثبات .... والسر ...
وأحوال العبودة :
كالتكوين والتلوين والتحقق والحقيقة وإستئناف التوبة من كل الأحوال والمقامات الناقصة :
فإستئناف التوحيد وإستئناف التوبة من كل السر ... :
نحو العبدية الخالصة لله تعالى :
فما الحلول والإتحاد ووحدة الوجود وكل التجليات إلا أحوال ومنازل ناقصة عند كبار الأولياء قدس الله أسرارهم ..
نحو تسبيح حقا رباني ، ونحو تنزيه حقا قدسي ..
ودون أي تشبيه ..
ولهذا ندعوك يا مريد وجه الله تعالى لدراسة مستوانا الأول ومستوانا الثاني ولو عشر مرات بنية العمل : 
لأن كل مستوانا الثالث وكل مستوانا الرابع وكل مستوانا الخامس فقط نتيجة لإخلاصك  بالعمل بهما ..
وما هي إلا أذواق قلبية وروحية ستكتشف عرفانك لها - إذا ما إجتباك الله تعالى - ولو لم تدرسها

فما التصوف إلا إيمان يذاق.

في رحاب الأحوال والمقامات

بعد المقامات الأساسية للسير القلبي في محبة الله لذاته سبحانه ، والمقامات الست للتوبة ، ثم المقامات الأربع لقبولها ، نشير لك يا مريد وجه الله تعالى لبعض الأحوال والمقامات التي نرجوا من الله تعالى أن نذوقها قلوبا وأرواحا ، وهي :


ـ الخوف:
 وبدايته خشية العذاب ، ونهايته خشية مكر الله سبحانه وتعالى ولو سبقت لك البشرى بالفلاح.. وبهذا تخاف الله تعالى هيبة من ذاته سبحانه ورهبة من عذابه الأليم كما تخاف من غضبه، فالمحب لله تعالى يخشى غضب حبيبه ونقمه و فتنه ، ومهما إنضبطـت على الأوامر ومهما إجتنبت النواهي ، فالأمن من مكر الله يجب أن يبقى مبعدا :" فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون" 99 الأعراف.فتخشى الله مهما صفت لك العبادات ..بل وحتى لو كنت من المبشرين بالجنة كما كان بعض صحابة رسول الله صلوات الله التامات عليه وسلامه .. 
فالخوف من عذابه سبحانه وتعالى يختلف عن الخشية من مكره التي تختلف عن الرهبة من ذاته سبحانه التي تعني الخوف من مقامه :"ولمن خاف مقام ربه جنتان" 46 الرحمان.
فالخوف إذن أنواع ثلاثة:
خوف العذاب والغضب والنقمة وخوف المكر فخوف المقام.



ـ الإشفاق:
 وهو قمة الخوف الأول لحد وجل القلوب وقشعريرة الجلود..وغالبا ما يكون عند محاولة الثبات على التوبة النصوح إن كانت هناك نية خالصة وعزم أكيد .. 
فيخاف التائب من العقاب عما سلف من الذنوب  كما يخاف من الفشل في سلوكه، في الوقت الذي يحاول أن ينضبط  فيه على الإستقامة..
وهذا الإشفاق كلما قوي كلما أعان على الصبر وكلما سهلت التوبة ، وإكتسبت النفس الشفقة وكل أخلاق الرحمة.


ـ الخشوع:
وهو انضباط العقل والقلب فالروح مع العبادات لحد خشوعها لله في كل الأوقات ،وعند قوته وإستمراره يشعر الخاشع دوما بمعية الله تعالى وبحضوره لحد الإستغراق في العبادة ولحد الوله بالله تعالى ، بل ولحد الجذب كحال ناقص..
 ويبد أ الخشوع بطمأنينة الجوارح ثم الجوانح في الصلاة .حيث يحاول المصلي أن تكون صلاته خاشعة فيستحضر الفكر دوما في قراءته وتسبيحه وتكبيره وكل دعائه، مع إلتزام جوارحه بالحركات السنية وجوانحه بالطمأنينة فيها كلها.. إلى أن يخشع القلب متمتعا بهذا الإنضباط الظاهر والباطن.. 
فيحس المصلي بالسكينة والراحة في كل أو جل صلاته كما كان يقول الرسول صلوات الله عليه لبلال رضي الله عنه :" أرحنا بها يا بلال".أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار.
ولن يتم هذا إلا بالتفكر والإنضباط في أقوال وحركات وسكنات كل الصلاة.


ـ الإخبات:
وهو سجود القلب بكل خشية والإلتزام بكل الطاعات ، مما يولد قمة الخشوع القلبي والقولي والحركي ، ولا يحس به عابد إلا تذوق جرعا كبيرة من الطمأنينة أثناء العبادات وقبلها وبعدها ..وكانت لقلبه أذواق وملذات ..
فيدخل في ميلاده المعنوي بعد أن كان ماديا يكاد لا يرى إلا الجوانب المادية للحركات والسكنات والأشياء..
فيتقوى لديه الميل نحو الحكمة والمعاني والإشارات ليكون علقة معنوية ما عليها لتكتمل إلا أن تتم سلوكها نحو مقام المحبة .
وأول موجبات المحبة قوله صلوات الله عليه :" إزهد فيما عند الناس يحبك الناس وازهد في الدنيا يحبك الله":حديث حسن رواه إبن ماجة وغيره


ـ الزهد:
وبدايته تحقير الدنيا ..
ونهايته اليأس مما دون المولى عز وجل والزهد ، والزهد حتى في بعض ملذات الآخرة..
بمعنى تحرير قلبك وروحك وكل نفسك من حب الدنيا مهما حلت لك ، ومهما ملكت فيها..
وليس الزاهد هو الفقير من الماديات ، بل الزاهد هو من قلبه خال من حب الدنيويات ، وزاهد مهما عظم ملكه:
 فذو القرنين وسليمان وداوود عليهم السلام ملكوا الدنيا لكنهم كانوا فيها من الزاهدين ..
كما سيمسك المهدي عليه السلام كل الدنيا لحد استخراجه  كنوز الأرض وكنوز بيت المقدس .. لكنه - ورغم كل هذا -  عند الله من الزاهدين : 
فالزهد إذن ليس الفقر المادي بل هو الغنى المعنوي مهما كان الفقر أو الغنى الماديان ...
وليس الزهد أن لا تملك الأشياء بل الزهد أن لا تمتلكك الأشياء ، كما قال الشيخ الجيلاني قدس الله سره.
وكلما قوي الزهد في القلب كلما قويت الروح وإزدادت صفاء وزهدا في كل ما سوى الحبيب سبحانه وتعالى ..
 فلا ترجو النفس بعدها من المولى عز وجل غير وجهه الكريم ، وتعبده محبة فيه أولا وأخيرا  ..
بل وليكبر زهدها لحد استواء الدنيا والآخرة في قلبها  ..
ولتبقى غايتها الكبرى بل وغاية كل غاياتها الخالق سبحانه وتعالى  ..
فتستحي أن تطلب الجنة كأجر على العبادة لأنها كل الفضل وكل الثواب فضل من الله سبحانه وتعالى وحده ..
(لن يدخل أحدكم عمله الجنة) : كما جاء في الصحيحين .
فيصير كل مطمحها القرب من الله تعالى والسبق له سبحانه  :
( والسابقون السابقون 10أولئك المقربون 11) الواقعة .
وهنا وبعد أن كان القلب من المتنافسين في السلوك : (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"..
تصير الروح من الطامحات للمقامات العلى:(وأما إن كان المقربين 88 فروح وريحان وجنة النعيم89 ) الواقعة.
وهاهنا يكبر زهدك لحد زهدك حتى في بعض الحلال: وذاك مقام الورع :


ـ الورع:
وهو ترك المباح مخافة الوقوع في المكروه والحرام ..
ويبتدئ مع القوة في التوبة النصوح ، إذ يتورع التائب دوما عن الحرام لحد اجتنابه لكل الشبهات ولو كانت هناك فتاوى تبيحها ..
بل ولحد اجتنابه للعديد من أنواع الحلال التي تطبثه عن القوة في سيره وسلوكه وعن كل ما يحجب عنه لذة العبادة وحلاوة الإيمان..

ـ التبتل:

 ويعني دعاء وتلبية الجوارح كلها بكل انكسار والإنقطاع للعبادة..
بحيث يسرع المتبتل كلما توفرت له الظروف للإعتكاف أو الخلوة للتعبد وطلب العلم وللإبتهال بكل أنواع الطاعات ..
 ويعينه على كل هذا ما يذوقه من حلاوة الإيمان ولذات الخشوع، ومن كل ما يلمسه من معاني وحكم ، وخصوصا إذا ما عكف على دراسة القرآن والسنة و حكم العارفين وعلى تفسيرهم للكتاب الحكيم والسنة الشريفة..
ـ الرجاء :
وبدايته الأمل في كل رحمة ، ونهايته حيرة الهدى والبشرى بالولاء : 
حيث يقرن مع النية الخالصة والثقة في عفو الله تعالى بهمة جد علية..
 إذ هو أساس كل المقامات العلى للسلوك القلبي ، بل ولولا الرجاء لما كانت هناك عبادة ولا محبة ولا أحوال ولا مقامات ..
بينما ولو لم يكن هناك خوف لكانت هناك العديد من الأحوال والمقامات ..
وبذلك يرتفع مقام الرجاء على حال الخوف ، فالخوف وبالرغم من أن هناك من يعده مقاما ، يبقى الرجاء مقاما حتى في الجنة والحمد لله..
وبدايتهما معا الأمل في النجاة من العذاب والفوز بالجنة وقبول العمل ومعونة الله للعبد دنيا وآخرة ...
بينما نهايتهما رجاء المحسن في أن يكون من أهل الخصوصية والإجتباء ، ومن المقربين لحد حيرة الوصول لسر الإرادة والفناء في محبة الله ، كما قال عنها أبو بكر :" العجز عن الإدراك إدراك" وهي جملة لا تفسر بل تذاق كما ذاقها العديد من صديقي الأمة.


ـ الرغبة:

وهي تمني كل محبوب..والقوة الكبرى في الرجاء وفي الإصرار عليه ، وبها يعظم الرجاء وتعظم كل غاياته..
وهي من المقامات المهمة للزيادة في قوة الفرار نحو الله والسلوك إليه.

ـ تعظيم الحرمات : 
بمعنى تقديس الشريعة واحترام الشعائر، وتلك تقوى القلوب ، فيصير القلب حقا من قلوب المتقين : فلا يقترب أبدا حراما.. ويجتهد في الحلال كما يقدس كل ما له صلة بالمقدسات كالكعبة الشريفة والمساجد الثلاث : الحرام والنبوي والقدس.والمصحف والكتب الإسلامية ..
ويبجل العلماء لحد شعورة بقيمة كل أهل" لا إله إلا الله "فتكون عنده أذية المسلم كبيرة مهما صغرت.

ـ الإخلاص :

وبدايته خوف الرياء ونهايته الصديقية..
وهو أن تكون غاية كل العمل الآخرة بل وإذا قوي تكون غاية كل الغايات وجه الله الكريم لا غير.. 
فيعبد المخلص متحررا من كل شبهات المراءاة: 
كأن يطلب أجرا ماديا أو معنويا على عبادته أويبتغي من العبادة رضى الخلق لا جنة الخالق ورضاه سبحانه ...
وكلما كان هذا الإخلاص قويا كلما صفى من كل ما يناوشه، وسعى نحو كل المقامات العلى .. ونحو الصديقية كأعلى مقام بعد النبوءة:


ـ الصديقية:

وهي ثاني مقام بعد النبوة وتاجها القربة حيث يكون المحسن من أقرب المقربين وهما مقامان بعد مقام الكشف التي تذاق ولا تشرح..

ـ التهذيب:التخلق بالمكارم واجتناب كل السفاسف : وعند هذا المقام تبدأ المعالجة الحقيقية لكل الأعمال والأحوال ،والمراقبة الصارمة لأعمال الظاهر والباطن فتكون كل أعمال الجوارح والضمائر والجوانح بميزان ،وبكل تريث.. فيبدأ الكمال في المعاملات والأعمال.ويبتعد المحسن هنا على كل المعاصي والدناءات وتلك هي :


ـ الإستقامة:الإنضباط على الشريعة باطنا وظاهرا..فيستقيم القلب والفكر وكل عمل مهما صغر أو كبر على ميزان الثبات والحكمة..فينضبط المحسن انضباطا تاما لحد أن العديد من النوافل تصير لديه فرائضا..وأول ما يؤكد للمحسن استقامته رضى البر والفاجر عليه إلا الشواذ والظلمة.

ـ التوكل :الإعتماد على توفيق الله دون تعظيم الأسباب : وبهذا يتأكد العابد من فقره وضعف حوله وقوته مستجيرا بحول الله وقوته في كل شيء ..وهنا يتحقق من معاني وأنوار : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " فيعمل باجتهاد ويترك الثمرة على الله تعالى ..فتغيب عن فكره كل الأفكار الضبابية

وعن كل إحساسه معاني التشاؤم ..فيسبب لكل مبتغياته دون الإعتماد على السبب، فالذي يسر له السبب سييسر بحوله وقوته نتيجته متى وكيفما وأنى شاء..وهناك فرق بين المتوكل والمتواكل الذي لا يجتهد بالعمل ويقول أنا من المتوكلين: فليس هذا بمتوكل بل متواكل ..والتواكل حرام في الإسلام فهو كسل وعجز أمر الرسول صلوات الله عليه بالإستعاذة منهما. نعوذ بالله من العجز والكسل آمين.

ـ الثقة:محو النفس من كل نيةناقصة..وهو أن يكون المسلم واثقا من معونة ربه ويكون المومن واثقا من توحيده وقويا في ثباته.. ويكون المحسن واثقا من محبته لله.. ويكون العارف بالله واثقا من ولايته..فيمحى عنهم كل شك ناقص : وتكون الثقة في الناس سابقة عندهم عن سوء النية فيهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم..لكن هذا لا يعني تغابن المسلم ف"المومن كيس فطن " أبي راجح العقل ذو بداهــة ونبوغ وذكاء.

ـ الصبر: الجلد مع البلاء ابتغاء لوجه الله: وهو تحمل كل البلايا والمصائب والأوجاع والآلام والفتن دون شكوى للخلق:بل وبكل تضرع للخالق وحده وكل إصرار على المزيد من طاعاته..ولولا مقام الصبر لما وصل لأعلى هاته المقامات إلا اليسير ..فهو بنزين السلوك ووقود الفرار نحو الله ..وكلما تكهربت الأحوال بمرض او مصيبة أو فتنة أو بلاء كلما ازداد المخلص خشوعا وتضرعا ..وكلما قوي هذا الخشوع كلما قطع السالك مقامات بأحوال لم يكن ليذوقها دون صبر لحد استغراقه التام في العبادة وزهده التام في الدنيا إن عظم له البلاء وتمكن من قلبه الإخلاص.

ـ الرضى: استواء البلاء بالنعم..فيرضى المحسن عن قضاء ربه وقدره بخيره وشره وذاك من مستلزمات الإيمان..ويبتدئ صدق الرضى بعدم الرضى عن النفس بينما لا يكتمل إلا بكمال الرضى عن الله..فلا يرضى المحسن عن نفسه مهما صفت أحوالها :فيرى حسناتها من الله وكل سيئاته منها ..إذن فهي معدن الشر والسوء لولا منة الله عليها بالغفران والإستقامة والتوبة.

ـ الشكر:ونهايته العجز عن الحمد..بينما من بداياته حمد الله على الأقل في فاتحة الصلوات وعند نهاية الشرب والأكل ليكبر لحد اتخاد الحمد لله وردا من الأوراد اليومية ..كما أن من مستلزمات شكر الله حمده على كل نعمه المتعلقة بك وبغيرك وشكرك كل من أسدى لك أو لغيرك معروفا:" ما شكرني من لم يشكر الناس"بينما من نهاياته الحمد المطلق الذي ليس له صلة بنعمة فتحمد الله محبة له وعلى منته بأن يكون لك إلها وإلا لكان استعبدك لأدنى مخلوقاته..والتأمل في الشكر والحمد بتفكر في الخلق وأسماء الخالق سبحانه تودي إلى العجز عن حمده سبحانه ..فحمدك له يحتاج لحمد آخر إذن فلا تستطيع حمد الله مهما بلغ بك البيان واليقين.. لكن لتعلم أن الله مهما أنعم عليك من عظيم النعم فالحمد لله خير منها..

ـ الحياء :بداية التوقير للرقيب سبحانه..وهو أن تنفر مشاعرك وأحاسيسك ومنطقك من كل الدناءات لحد ظهور ذلك على محياك ..والحياء لا يعني الخجل الذي يعد مرضا من الأمراض النفسية: فالخجول هو الذي يخجل من أية مواجهة مع الآخر بينما المستحي ليس خجولا وإنما ذو روح أبية وهمة علية.

ـ الصدق : فرض الصديقية الأكبر وأساس كل ولاء..وهو أن تكون أقوالك وأعمالك كلها حقة ..وهو الفرض الدائم على المومن الذي يجب أن يتحرى هذا الصدق ببحثه على الحق والحقيقة ..لأن هناك الكذب العمد وهناك الكذب الذي يأتي بسبب عدم تركيز المتكلم.. كما أن هناك الكذب الذي يعني الخطأ في الفكرة ..وحتى يتجنب المومن كل هذا عليه بالتفكير وعدم التسرع في القول والبحث دوما عن الحقيقة والحق وذاك هو التحري الذي قال فيه الرسول صلوات الله عليه : ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا"

ـ الإيثار: وهو تفضيل الآخر رغم الحاجة..حيث لا تكون الأنانية بشقيها: ـ لا الأنا العليا ولا الأنا السفلى ـ طاغية على المرء.. فيسعى لخدمة الآخرين قبل خدمة نفسه ، لحد تفانيه في خدمة كل المجتمع بل والأمة فلا تكون أعماله وأنشطته متعلقة بطموحاته النفسية ..بل تكون له العديد من الحركات الإجتماعية من أجل خير المسلمين بل وكل الناس ..أوعلى الأقل يفضل الآخر على النفس عند تساوي الحاجات.

ـ التواضع: عدم الشعور بالتواضع..ويعني بداية استصغار النفس وعدم تعظيمها أو الشعور بعلويتها على الآخرين ..ولا يتم هذا إلا لمن كانت معاملته جد رقيقة ولينة مع كل الناس لا يتكبر عليهم بقول ولا فعل ولا حركة أو إشارة ..ومن يحس بأنه يتواضع للناس فتواضعه لم يكتمل بعد لاعتقاده الباطن بتكبره الخفي .

ـ الفتوة:التجرد بكل عزم وإصرار وبسالة لخدمة الإسلام والمسلمين ..وهذا لا يتسنى إلا بعد التشمير للعبادة بانضباط تام على الفرائض بل والنوافل والأوراد .. فلا يريد إلا الآخرة مهماأ قبلت عليه الدنيا.

ـ الإرادة:اليأس مما سوى المعبود سبحانه لوجهه وحده..وهي العزم والفتوة ونية العبادة بكل الأحوال والمقامات بغية وجهه الكريم وحده..وبغية الوصول وتذوق ما ذاقه الصادقين في الفرار والسلوك لله سبحانه.والمريد لقب من ألقاب السالكين كالمراد الذي تسبق له الأحوال قبل الإرادة لكن عند التحقيق فكل مريد مراد وكل مراد مريد.

ـ الأدب : التخلق بصفات العبودية..حيث تكتمل للعبد أخلاقه مع ربه تعالى ومع الناس بل ومع الحيوانات والطبيعة ..فيكون مهدب السلوك متأدبا داعيا بحاله قبل مقاله لكل أخلاق الإسلام السامية.

ـ اليقين: ذروة الإيمان وهو العلم بالإيمان..وتيقن من الشيء يعني تأكد منه ونفىكل شك فيه..وهنا يكتمل للمومن إيمانه فيسمى موقنا ..وهو كمال الإيمان وهذا لا يتم إلا بعلم :فهناك من اكتمل له الإيمان القلبي لكن لا يكتمل الإيمان العقلي والفلسفي إلا بعلم اليقين الذي هو علم من أرقى علوم الإحسان.

ـ الذكر:عدم غفلة القلب عن المحبوب سبحانه..ويطلق غالبا على ذكر الله بالباقيات الصالحات: "لا إله إلا الله ـ الله أكبر ـ سبحان الله ـ الحمد لله ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله " والإستغفار والصلاة على النبي صلوات الله عليه وتلاوة القرآن..لكن عند التحقيق فكل العبادات ذكر لله ..ومن أكثر في العبادات ونوع فيها فهو الذاكر حقا.

ـ الفقر: الغنى بالله وحده..حيث يحس المومن بفقره التام "لا للدنيا ولالنعيم الآخرة" بل لفقره لمحبوبه سبحانه وتعالى: وذاك من كمال العبودية وحقيقتها، فما قامت إلا على فقر الكل لله وغناه تعالى عن الكل .فحقيقة عبوديته هي حقيقة الإفتقار إليه ..لحد اليقين بالفقر لله وذاك هو الغنى بالله.

ـ الإجتباء : الإصطفاء والإختيار..وهنا تظهر للمريد بوارق وواردات تحثه على التشمير في السلوك وتبشره بالعناية الربانية به لحد تبشيره بالولاية والجنة كما بعض الصحابة والأولياء.

ـ الإحسان: الشعور بحضرته سبحانه وهو كما قال الرسول" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وهنا يشير صلوات الله عليه بجوامع الكلم للمقام الأول في الإحسان: وهو الشعور بأنه يراك وذاك مقام المراقبة ..ثم لحال الشهود والمعاينة والكشف : كأنك تراه ...بينما يبقى الإحسان هو إتقان كل عمل وقول وحركة وسكون بضبطها التام مع الشريعة.

ـ العلم: الإعتراف بالجهل..إذ قمة العلم قولك " الله أعلم " فتتحرر من علمك الضيق لعلمه الواسع لحد نهلك من عرفانك به سبحانه.. وذاك هو علم اليقين والعلم اللذني وعلم الكتاب وغيرها من علوم الراسخين في العلم..فتتحرر من علوم اللسان والحروف والرسوم لعلوم العرفان كلها.

ـ الفراسة: فكرةالبصيرة .. وهي العين الباطنة القلبية التي يرى المومن بها الشيء على حقيقته مهما حاول الآخر إخفاءه .. كما قال عن ذاك الرسول صلوات الله عليه: اتقوا فراسة المومن فإنها لا تخطئ وفي رواية فإنه يرى بنور الله"

ـ السكينة:اطمئنان الباطن والظاهر..حيث يحس المحسن بسكون في فكره وقلبه يوقظ فيه كل المشاعر الربانية من تأمل عميق وإحساس بالسعادة الحقة التي هي صفاء الفكر والقلب وشفافية الروح .

ـ السماع:ذوق معاني وأسرار القرآن والشعر والحكم..حيث يولد لدى المحسن فهم الإشارات والمعاني وما وراء الأقوال والسطور ..فيكون مستمعا بفقه قلبه وشفافية روحه لا بدماغه وأذنيه فقط. .

ـ الجمع: الفناء عن الأنا والشعور بالله وحده..حيث تغيب على المحسن كل مميزات ذاته لانغماسه في العبودية والتفكر في الله سبحانه كلاما وصفاتا وأسماء وأفعا:لاحتى يرى كل العوالم وأعمالها من الله : "والله خلقكم وما تعملون " فيرى فعل الله في كل شيء ..كما يرى يقينه بالله في قلبه وفكره ومحبته فياضة على روحه وذاك هو الفناء في الله لحد الغيبوبة عن الأنا واللهج بالمحبوب تعالى وهنا قال البعض:" أنا من أهوى ومن أهوى أنا " ولا يكون هذا إلا باكتمال المحبة وفرائضها وكل نوافلها.لكن هذا ليس حقيقة بل هو من الشطحات الذي استعاذ منها الكمل من الأولياء وهي أحوال قاهرة مرت على بعض الأولياء ..لكن الخطأ في أن البعض يقرأها على حرفيتها لا على شاعريتها وشذوذها.ومن ذاقها سيعرفها.

ـ الفرق: الرجوع للشعور بالنفس..وبعد أن يغرق المحسن في العبادة لحد استغراقه الدائم يقظة ومنانا في العبادة واللهج بالمحبة دون شعور بماهيته ..حيث يفنى كل إحساس به وبالعالم كله ..يأتي لطف الله ليخفف عنه شدة هذا الإستغراق فيعود للشعور بشخصه ثم العالم وذاك هو مقام الفرق.

ـ الحضور: الوعي بمعيته عز وجل ..حيث يحس دوما بحضرة الله تعالى وبأنه حاضر معه وذاك من تذوقات قوله تعالى:" فإنك بأعيننا"..فتكتمل عنده كل مقامات المراقبة ولوازمها وبذاك يرقى لمقام الحضور كما الرسول صلوات الله عليه وكذلك مهدينا عليه السلام الذي سيظل خاشعا لله رغم خلافته العظيمة.

ـ السكر: فقد الإدراك بحيرة ما فوق كل إدراك... وهو قمة الخشوع في العلوم والعبادات إذ تسيطر الأفكار والواردات الباطنة على العقل والشعور حيث يغيب المحسن عما سوى مشاعره ..وإن كان عرفانه لم يكتمل بعد كانت له شطحات كلامية أو حركية نعوذ بالله منهاكما سبق.

ـ الصحو: عقلنة المعاني بعد السكر بوارداتها..فبعد قوة الواردات والغرق في الإستغراق في العبادة يعود المحسن الذاكر للشعور بحركاته وأقواله وكل كيانه ..فيصحو للوجود بعد أن غاب عن كل موجود.

ـ الهمة:ما أهم الباطن ..وهنا تكون همة المحسن عالية لا يرجو بها غير وجهه الكريم فيعبد الله لأنه يستحق العبادة أولا وأخيرا ..ورجاؤه من العبادة متعلق بالذات والصفات لا بالمخلوقات مهما عظمت ولا حتى الجنة.فتبقى الجنة عنده وسيلة لا غاية.

ـ المحبة: العشق الإلهي.. وهي كمال معرفة الجمال والجلال ..فيفيض المحسن شوقا لمحبوبه سبحانه وتعالى ..بعد أن اكتملت المعرفة فكرا وبدأت أذواقها تنعش القلب والروح باطنا.

ـ الغيرة: التنافس على القرب والكمال..لحد الغيرة من كل كل عمل يشين للعبادة.

ـ الوجد: الشعور بلذة العبادة وحلاوة اليقين.. وهو تذوق المعاني وتذوق الخشوع لحد التلذذ بهما ..ولكل عمل وكل صفة من صفات الله وجدها ..والوجد هو أن تجد المعنى الباطن للذكر أو العبادة أو الفكرة أو النظرة.

ـ البرق:النور اللامع سريعا بالواردات..وهو وارد سريع جدا يحث المحسن على السير ويملأه طـاقة للسرعة في الفرار نحو جنابه تعالى.

ــ الغيبة:نسيان السوى..وليست السكر بل هي الغيبة عن كل ما سوى المذكور لحد الغيبة عن النفس ذاتها وعن الشعور بكل الوجود ..فلا يبقى الشعور هنا إلا بوله المحبة .

ـ القرب: استشعار محبة الروح..والشعور حقا بأن الله تعالى أقرب من حبل الوريد ..والقرب الذي نعنيه هنا هو تأكد المحسن من قربه من الله وقرب الله منه وهو مقام للمقربين فقط..

ـ البعد: فقدان كل المواجيد ..وهو من أصعب أحوال المحسنين : فبعد أن ذاقوا نعيم الأحوال والمقامات يغيب عنهم كل وجد وكل حال : لحد شعورهم ببعد فكرهم ومشاعرهم عن الله لا عن التدين ..وهو حال يحتاج فيه المحسنون لصبر كبير وذكر أكثر.

ـ الوله: الشغف بذكر المحبوب في اصطلام..وهو فيضان المحبة لكن في صبر وخوف لافي أنس ورجاء

ـ السحق: الشعور بالعدم وهو حال يسحق الله به كل أنانيات وعيوب المقربين. فيشعر المقرب كأنه صفر وجودي أو كأنه شبح.

ـ المحق:ضيق السجن في العدم..وهو شعور ثاني بعد السحق بعدمية الوجود فيحس المقرب كأنه صفر سالب مسجون في صفر موجب ..وهو من أشقى بل هو أصعب حال.

ـ الإصطلام : حرارة الولع بأشواق القرب .. وحرارة المحبة والقلب لم تخمد فيه بعد نيران الأحوال الصعبة..

ـ الوصل:رؤية السر وهو يرى ولا يشرح : فأسرار الربوبية لا تفشى .

ـ العبودة: الشعور بتحرر الأنفاس بالعبادة..وهي العبادة الحرة وعبادة المبشرين بالجنة فيعبد المحسن الله متحررا من كل الأحوال الناقصة وباكتمال كل المقامات الواجبة .وهي عبادة أهل الولاء التام.

ـ الذوق: فهم المعاني والشعور بالمواجيد..ولا يكتسبه كل مسلم بل للذوق ميلاد مع قوة الإيمان وكثرة الذكر .وكثرة الذكر والفكر تقوي الذوق القلبي بالمعاني المرجوة من العبادات.

ـ الصفاء: نقاء السرائر من كل ناقض للمحبة..فيرجح العقل ويطهر القلب وتشف الروح ويتنظـف الجسم.

ـ الفرح: السعادة بفضل الله والبشرى بمننه..فلا يفرح القلب أبدا بالدنايا بعد أن فرح بالسكينة الباطنة والطمأنينة الكاملة وبرحمة الله وفضله .

ـ السر: ما لايكشف وما لايعبر عنه

ـ الغربة: التخلص من كل العادات المألوفة للناس..والشعور بالتميز عن العديد من العابدين.

ـ التمكن: البشرى بالإجتباء..والتمكن من فهم السر.. واليقين في الوصل.

ـ القبض:ضيق يستشعره كل سالك بتكرار..وهو حال متكرر في كل السلوك .

ـ البسط :الفرح بعد قرح القبض ..وهو منة من الله لمعالجة القلب والفكر والروح من القبض.

ـ المعاينة: المشاهدة بعين اليقين.. وهي مشاهدة في عالم الغيب. ترى ولا تشرح.

ـ الهيبة:قشعريرة الشعور بالعظمة والخوف والمحبة معا: فيستشعر المحب العديد من المعاني القلبية ومن الصفات الربانية فلا يزيد إلا هيبة من الحبيب الرحمان تعالى .

ـ الحياة: تذوق المعاني الباطنة بالملكوت ..وهو ميلاد الروح في عوالم المثل والمعاني فيكون للقلب عالمه وللروح عالمها وللفكر عوالمه كما للجسم عالمه.

ـ الأنس:الإنبساط بذكره مع الشعور بحضرته سبحانه..وهو حال التلذذ بالقرب


ـ المعرفة: العلم بأسرار إسم "الله" سبحانه..وهي ذوق رغم أن منها ما يشرح. وهي العلم بالله كما قال الرسول صلوات الله عليه عن أبي هريرة ض : " من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العالمون بالله فإذا تكلموا به لا ينكره إلا أهل الغرة بالله" فهذا هو العرفان بالله وعلم الحقائق.
ـ رعاية الأسباب : العمل بالعلل مع تحقيرها..فيجتهد المحسن بالأعمال مع إتقانها لكن بتحقيرها ليقينه بأن الثمرة من الله لا من السبب ..والسبب وسيلة وليس هو المسبب سبحانه.

ـ استئناف التوبة: التوبة من علل الطـاعات..والتوبة واجبة دوما حتى للأولياء ومستحبة للأنبياء أنفسهم وهي تاتي بعد اكتمال السلوك وذوق ثمراته والتمكن من نتائجه.


ـ استئناف التوحيد: العلم بالأحدية..وهو علم صعب جدا لا يقدر عليه إلا المجتبين من أوليائه ..وكل من قرأه من غيرهم لا يطيقه لحد تكفير بعض العلماء لبعض الأولياء الذين تكلموا في هاته العلوم.وهنا يرى المحسن حقا أن لا إله إلا الله أثقل من السماوات والأرض كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

ـ الشهادة: التأكد من التوحيد..وهي الشهادة بعد العلم بها فكرا وقلبا وذوقا وذاك هو علم اليقين .

ـ الفناء : سحق الأنا بإفراط الشعور بالمحبة وتجمع بين الغيبة والسكر .

ـ البقاء : ذوق كل أسماء الألوهية في كمالاتها..وكمال المواجيد والحكم الربانية في القلب والفكر والروح..فتكتمل هنا ألوهـة العبد لا ألوهيته.والألوهة هي تحقق الروح من كل الصفات الإلهية المجازة للعبد.وشرحها سيأتي بحول الله مع فقرة " فاتحة التخلق بالأسماء الحسنى"

ـ المحو: مسح كل صفات النفس..فلا تكون النفس إلا قلبية ولا يكون القلب إلا روحيا ولا تكون الروح إلا سماوية.

 الإثبات : تأكيد أوصاف الربانية: فبعد محو كل الصفات الذميمة تثبت كل الصفات المحمودة وتلك أخلاق الربانيين.


ـ الشهود: رؤية البصيرة لأسرارها بالأفق الأعلى وهي نافذة تفتح على عوالم الحقائق والمثل.. وترى ولا تشرح.

ـ الكرامة: معجزة الولاية.. وهي برهان من الله لبعض الأولياء على اجتبائهم ولا تكون لهم كلهم.

 ـ الولاء: العبودة التامة وتحقيق الربانية لاالربوبيةوالألوهة لا الألوهية.

ـ الجذب: انهزام المشاعر أمام قوة الواردات..وغالبا ما تكون للمرادين الذين تأتيهم الأحوال الكبرى للسلوك لله قبل بدايته .وهي انهزام العقل أمام تذوق الحكم والحقائق.
ـ الحقيقة: التحقق من المثل الأعلى..ورؤية كل شيء على الحقيقة فالرسول صلوات الله عليه قال: "لكل شيء حقيقة "..ولهذا يدعوك هذا الكتيب: لحقائق الإسلام والإيمان والإحسان لا رسومها.وهذا هو الفقه الأكبر كما قال أبو حنيفة رضي الله عنه.


ولهذا أخي الطالب ربما أنكرت بعض هاته الأحوال والمقامات لتشبتك بالفقهيات فقط : فاعلم أننا نشرح لك حقائق السلوك نحو رحاب القرب من الله تعالى وهو الهدى الذي تدعو به في الفاتحة بقولك " إهدنا الصراط المستقيم " فهاته هي مقامات الهدى التي قال عن سبلها الله تعالى : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " والهداية لهاته السبل إنما هي هداية للسير والسلوك والفرار نحو الله الذي هاته معظم مقاماته وأحواله ..لكن لا يذوقوها إلا من اكتمل صدقهم ..فالصدق فرض السلوك وأساس الصديقية .
واعلم وفقك الله أن هاته المقامات من المقامات التي أجمع عليها كل أولياء الله الصالحين ..فإن لم تذقها فسلم لمن ذاقوها ..وهي أذواق لا تأتي مقاماتها العليا إلا لمن اجتباهم الله لولايته.فإن لم تعم في أعالي البحار فسلم لمن أتاك منها بجواهرولآلئ..وحذاري أن تقول الإسلام ما فهمت ..ولا أن ترفض الفقه الأكبر باستغناء بفقهك الأصغر ..لكن "الله يجتبي إليه من يشاء" ولفقه المجتبين ندعوك يا طالب النور والهدى ..أما إن كنت تطلب فقط علم الحلال والحرام فتكفيك السنة الظاهرة بالبيان اللغوي...لكنا نريد ان نرقى بفكرك نحو برهانية الإيمان وعرفانية الإحسان..فلا تحقرن نفسك ألهمك الله إشاراتنا :
" لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لنالها"