بسم الله الرحمان الرحيم
من أهم الأدعيةالنبوية:
(اللهم إني عبدُكَ ، وابنُ عبدِكَ ، وابنُ أَمَتِكَ ، ناصيتي بيدكَ ، ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ ، عدلٌ فيَّ قضاؤُكَ ، اللهم إني أسألكَ بكلِّ اسمٍ هو لك ، سميتَ به نفسكَ ، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِكَ ، أو أنزلتهَ في كتابِكَ ، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندك ، أن تجعلَ القرآنَ الكريم ربيعَ قلبي ، ونورَ صدري ، وجلاءَ حزني ، وذهابَ همِّي وغمي ) .
(اللهمّ إليك أشكو ضعف قوّتي وقلّة حيلتي وهواني على النّاس، يا أرحم الرّاحمين، أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهّمني؟ أم إلى عدوٍّ ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الّذي أشرقت له الظّلمات، وصلح عليه أمر الدّنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك، لك العتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلّا بك) .
عبادة الدعاء يُعَدّ الدعاء أساس العبادة، وروحها؛ لأنّ الداعي لا يتوجّه إلى ربّه بالدعاء إلّا لِعلمه اليقين بأنّ النّفع وجلب الخير وكشف الضّر بيد الله وحده، وهذا دليل على الإخلاص، والتوحيد؛ وهما من أفضل العبادات؛ فقد قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (الدُّعاءَ هوَ العِبادَةُ، ثمَّ قرأَ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)..
أهمّية الدعاء
أهمّية الدعاء التوجُّه لله -تعالى- بالدعاء له أهمّية كبيرة تعود على المسلم بالنَّفع في الدُّنيا، والآخرة، ومنها ما يأتي: استشعار قُرب الله -تعالى-، واستجابته للدعاء؛ قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وقد قال السعدي في سبب نزول هذه الآية إنّها نزلت ردّاً على تساؤل بعض الصحابة عن الله -تعالى-؛ فقالوا للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "يا رسول الله، أقريب ربّنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟"، فبيَّنت الآية الكريمة أنّ الله -تعالى- قريب، ورقيب، وشهيد، يعلم ما يُسرّ الداعي في صَدره، وما يُعلن، فيُجيبه، ويُعطيه. استجابة الله -تعالى- للدعاء إذا حقّق الداعي شروط الاستجابة، وهي: تحقيق الإيمان بالله -تعالى-، وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، وحضور القلب، والدعاء بأمر جائز شرعاً؛ لأنّ الآية الكريمة السابقة ربطت حصول الرُّشد، والحصول على الإجابة بتحقيق هذه الشروط، بالإضافة إلى أنّ المسلم يدعو الله -تعالى- وهو مُوقِن بالإجابة، وواثق بها؛ فيدعو بعَزم، ورغبة، ورجاء؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، فإنَّه لا مُكْرِهَ له).
مع معرفة أنّ الدعاء هو أفضل عبادة؛ لأنّ في الدعاء استدعاء للعون من الله -تعالى-، واستمداد له منه، وفيه بيانٌ لافتقار العبد إلى الله -تعالى-، كما أنّ الإنسان يتبرّأ فيه من حوله وقوّته، ويلجأ إلى كرم الله -تعالى، وجوده، وحوله، وقوّته؛ قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ)، وقد حثّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه على أن يسألوا الله -تعالى- حاجاتهم جميعها، وثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أيضاً أنّها قالت: (قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ابنُ جُدْعانَ كانَ في الجاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهلْ ذاكَ نافِعُهُ؟ قالَ: لا يَنْفَعُهُ، إنَّه لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ)؛ وقد أشار النبي -عليه السلام- في الحديث إلى الدّعاء على اعتبار أنّه مظهر من مظاهر الإيمان، وأثر من آثاره التي تُخرج المرء من دائرة الكفر إلى رحاب الإيمان؛ ليكون إيمان العبد سبباً في الانتفاع بأعماله الصالحة.
وكذا معرفة أنّ الدعاء هو أكرم عبادة على الله -تعالى-؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ شيءٌ أَكْرَمَ علَى اللَّهِ منَ الدُّعاءِ).
ومعرفة أنّ الدعاء ينفع فيما نزل من القضاء، وفيما لم ينزل؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يُغْنِي حَذَرٌ من قَدَرٍ، والدعاءُ ينفعُ مما نزل، ومما لم يَنْزِلْ، وإنَّ البلاءَ لَيَنْزِلُ، فيَتَلَقَّاه الدعاءُ، فيَعْتَلِجَانِ إلى يومِ القيامةِ)؛ ولذلك كان الدعاء من أقوى الأساليب التي يمكن أن يستخدمها المسلم ليدفعَ عن نفسه البلاء، والمكروه، ويستجلب به النَّفع؛ فهو سلاحُ المسلم الذي يُدافعُ به المصائب؛ إذ قد يدعو بدعاء قويّ فيغلب البلاء، وقد يدعو بدعاء ضعيف فلا يغلب البلاء، إلّا أنّه يُخفّف منه، وقد يدعو بدعاء يتدافع مع البلاء ويُعالجه. فمعرفة أنّ الإكثار من الدعاء من الأمور التي أرشدَ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه إليها، وذلك بقوله: (ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ ؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاثَ : ( إما أن يُعجِّلَ له دعوتَه ، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ ، وإما أن يَصرِف عنه من السُّوءِ مثلَها . قالوا : إذًا نُكثِرُ . قال : اللهُ أكثرُ)..
وكان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يُعلّم أصحابه صلاة الاستخارة التي يدعو فيها العبد ربّه؛ ليُسخِّرَ له الخير؛ فإن كان ما يريده في المستقبل خيراً له، يسَّرَه الله -تعالى- له، وإن كان شرّاً، صرَفَه عنه، كما بيّنَ لهم أنّه لا شيء يمكنه أن يردّ القضاء إلّا الدعاء؛ فقال: (لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ، ولا يزيدُ في العمرِ إلَّا البرُّ).
أثر الدعاء
يُعَدّ التوجّه إلى الله -تعالى بالدعاء الله ذا آثار عظيمة، وفوائد جَمّة، ومنها ما يأتي:
رَفْع المِحَن، والمصائب، وكَشْفها.
سبب من أسباب الانتصار في المعارك؛ فقد كان أحد أسباب انتصار المسلمين في غزوة بدر.
فَتح أبواب الخير المُختلفة، بينما يؤدّي تَركه إلى سَدّ هذه الأبواب.
تكفير الذنوب، والمعاصي، وجَلب الخير، ورَفع الدرجات.
نَيل أجر عبادة تُعَدّ من أرفع أنواع العبادات، وأفضلها.
إظهار ضعف العبد، وذلّته، وحاجته إلى ربّه، وتضرُّعه بين يدَيه.
تحقيق شرط حضور القلب في عبادة المسلم؛ لأنّ حاجته تجعله يخشع.
بيان مفهوم التوكُّل على الله، والاستعانة به؛ لأنّ العبد ما توجَّه إلى الله -سبحانه وتعالى- به إلّا لثقته بقدرته على تحقيق مَطلوبه، أو دَفع مكروهه.
الأدلّة على أهمّية الدعاء وفَضله
وردت العديد من نصوص القرآن الكريم، والسنّة النبويّة التي تُبيّن فضل الدعاء، وأهمّيته، ومنها ما يأتي:
قول الله -تعالى-: (ادعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ).
قول الله -تعالى-: (قُلِ ادعُوا اللَّـهَ أَوِ ادعُوا الرَّحمـنَ أَيًّا ما تَدعوا فَلَهُ الأَسماءُ الحُسنى). قول الله -تعالى- على لسان نبيّه نوح: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ)،
كما أنّ نبيّ الله موسى -عليه السلام- دعا على فرعون، وكلّ مظلوم يدعو الله -تعالى-؛ لأنّ الدعاء هو مَلاذ المظلومين، ومَلجأ المُستضعَفين؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ).
قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ ربَّكم حَييٌّ كريمٌ يستَحي مِن عبدِهِ إذا رفعَ يدَيهِ إليهِ بدعوَةٍ أن يرُدَّهُما صِفرًا ليسَ فيهما شيءٌ).
قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)؛ فقد بيّن الحديث أنّ الدعاء نَفْعه عظيم يشمل الأحياء، والأموات، وأنّه نَهج الأنبياء، والأصفياء.
آداب الدعاء :
ذكر العلماء مجموعة من الآداب التي يُستَحَبّ للمسلم أن يتحلّى بها في دعائه، ومنها ما يأتي:
التماس أوقات الإجابة، وهي كثيرة، ومنها: يوم عرفة، وشهر رمضان، وليلة القَدر، ويوم الجمعة، وفي الثُّلث الأخير من الليل، وما بين الأذان والإقامة، وفي حال السجود.
الابتهال والخشوع، والتضرُّع بين يدَي الله -تعالى-.
البُعد عن استعجال إجابة الدعاء؛ بمعنى أن يقول الداعي: "لقد دعوتُ ولم يستجب لي"؛ لأنّ الاستعجال يُنافي الأدب مع الله -تعالى-.
إجتناب الدعاء بإثم، أو قطيعة رَحِم، أو الدعاء على الأولاد، أو الزوجة، أو المال؛ لأنّ هذا الدعاء إذا وافق ساعة استجابة، فمن شأنه أن يُوقِع صاحبه في الحسرة، والندامة.
الإخلاص في التوجُّه إلى الله -تعالى- بالدعاء.
الإقبال على الله -تعالى- حين الدعاء، وحضور القلب.
إستقبال القبلة، والأكمل أن يكون الداعي على طهارة .
الإلحاح في الدعاء؛ من خلال تكراره.
إبتداء الدعاء بحَمد الله -تعالى-، والصلاة على رسوله محمد -صلّى الله عليه وسلّم-.
الإستقامة على طاعة الله -تعالى-، والابتعاد عن معصيته، والابتعاد عن أكل مال الحرام؛ لأنّ من أسباب استجابة الدعاء طِيب المَطْعَم.
حقيقة الذكر وفضله
يُقصد بالذكر: التذكّر، وعدم الغفلة والنسيان، ويكون بذلك ذكر الله هو: استحضار عظمته، وجلاله، مع التزام أوامره، وطاعته في كلّ حالٍ، ولذلك فإنّ من يعتقد أنّ ذكر الله -تعالى- يقتصر على التسبيح، والتهليل، والاستغفار يكون مُخطئاً؛ فالذكر أشمل من ذلك وأوسع؛ حيث إنّه يشمل الطاعات كلّها التي يقوم بها المسلم، فمن كان في طاعةٍ يأتيها، أو في معصيةٍ قد انتهى عنها كان ذاكراً لله -تعالى- في وقته ذاك.
وقد ورد بيان فضل الذكر، وأجر الذاكرين في القرآن الكريم، في عدّة مواضع، وكذلك ذكر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في كثير من الأحاديث الشريفة فضل الذكر؛ مُشجّعاً أصحابه والمسلمين من بعدهم ليكونوا من أهل الذكر، حيث قال: (ألا أخبرُكم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاقِ الذهبِ والفِضةِ، وخيرٌ لكم من أن تلقوْا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم، ويضربوا أعناقَكم، قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: ذِكرُ اللهِ).
وعلى هذا يمكن القول إنّ خير الأعمال في ميزان الله -تعالى- ذكره، ومن الأحاديث التي بيّنت فضل ذكر الله -تعالى- كذلك قول الله -تعالى- في الحديث القدسيّ: (أنا عند ظنِّ عبدي، وأنا معه حين يذكرُني، فإن ذكرني في نفسِه، ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرتُه في ملأ خيرٍ منه).
فوائد ذكر الله تعالى
إنّ لذكر الله -تعالى- فوائد عظيمة، ومنها ما ذكره وجمعه ابن القيّم رحمه الله، حيث إنّه جمع أكثر من مئة فائدة، وفي ما يأتي بيان بعضٍ منها:
طرد الشيطان وصرفه.
جلب رضا الله سبحانه.
إزالة الهمّ والغمّ عن القلب.
وضاءة الوجه والقلب.
تقوية القلب والبدن.
جلب الرزق بإذن الله.
إعطاء الذاكر المهابة والنضارة.
إعانة الذاكر على التوبة والرجوع إلى الله عزّ وجلّ.
إعطاء الحياة للقلب.
حطّ الخطايا وإزالتها.
إزالة الوحشة بين العبد وربّه عزّ وجلّ.
النجاة من عذاب الله تعالى.
ترك الفُحش من القول، والغيبة، والنميمة.
وقاية العبد من حسرة يوم القيامة.
تحقيق السعادة للذاكر، والمباركة في عمره.
تحقيق النور في الدنيا والآخرة.
سهولة الذكر وتيسييره للعبد، ولو كان في فراشه.
عدل الذكر لعتق الرقاب، والجهاد في سبيل الله.
تحقيق شكر الله سبحانه.
جلاء قسوة القلب.
مباهاة الله -سبحانه- بالعبد الذاكر أمام ملائكته.
الغاية التي شرعت لأجلها العبادات بما فيها الصّلاة؛ حيث قال الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)...
والذاكرون الله كثيرا هم السابقون يوم القيامة، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (سبَق المُفرِّدونَ، قالوا: يا رسولَ اللهِ ما المُفرِّدونَ؟ قال: الذَّاكرونَ اللهَ كثيراً والذَّاكراتُ). فهومعيار بناء البيوت في الجنة؛ فالذاكر تبني له الملائكة بيوتاً في الجنة وهو يذكر الله تعالى، فإذا أمسك عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء.
أنواع الذكر
بيّن أهل العلم أنّ للذكر معنيَين، أحدهما: عام؛ يشمل أنواع العبادات بعمومها؛ كالصلاة، والحجّ، وقراءة القرآن، والتسبيح، والدعاء، والمعنى الآخر وهو الأخصّ متمثّل بذكر الله -سبحانه- بالألفاظ التي وردت في القرآن الكريم أو في السنة النبويّة من تنزيهٍ، وتعظيمٍ لله، وكذلك قسّم العلماء الذكر إلى نوعين، هما: الذكر المطلق الغير المقيد بزمان ولا مكان ولا حال ولا مقام ، والذكر المقيّد بالعبادات المفروضة والنوافل وبالقرآن الكريم والسنة الشريفة ..
في الزهد :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق