الاثنين، 23 نوفمبر 2020

وظيفتنا الثالثة :


المقامات الأساسية للتصوف السني

إعلم أخي وفقك الله أن هذا القرآن الذي تقرأ وتتدبروالسنة التي تريد أن تتبع ، قد اقتدى بها سلفنا الصالح وكان منهم من كان فهمه جوهريا وحكيما للكتاب والسنة: فبعلم هؤلاء نتشبت :علم الصديقين من الأمة الراسخين في العلم :الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..

وهؤلاء حينما مارسوا التدين استنطوا كما استنبط رسول الله صلى الله عليه وسلم :بأن الفهم درجات ليوصي صلوات ربنا عليه :بقوله:خاطبوا الناس على قدر عقولهم.
ولهذا فتدين الصحابي والولي ليس هو تدين العالم والفقيه في شرع الله فقط ..

بل هناك العلماء بالله تعالى الذين علومهم كالبحور الهادئة ولهم فهم حكيم لكتاب الله وسنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه:" ومن يوت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" ..

ولهذا فمن الحكمة أن ترى أن الهداية لشرع الله ليست هي الهداية لله..

 ونحن نريد أن نهتدي إن شاء الله لله بشرع الله " فلا حقيقة دون شريعة "..والشريعة عندنا وسيلة للعمل لا هدفا للعلم. فهدفنا علميا المعرفة بالله وذاك هو العرفان.
فمقام الهدى لله أعلى من مقام الهدى لشرعه..

ولهذا فإن الفاتحة أخي في الله لم تربطك بالشرع بل ربطتك بالمشرع :

فالشرع وسيلة والقرب ومحبة المشرع غاية ..

فكيف تصل إلى الغاية ولا تأسرك الوسيلة ؟ 

أو كيف ترقى إلى مقام القرب ومقام المحبة؟ 

أو كيف تهتدي لله؟ 

كما تكلم على ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وكما شرحه ومارسه حكماء الأمة؟:
فاعلم أخي في الله: أن لا قرب لك حتى تذوق من أنوار أسمائه الحسنى ما شاء لك سبحانه: 

وأنت تسلك بكل ربانية في مقامات وأحوال السلوك والفرار إليه :
واعلم أخى أن مقام القرب من الله، ومقام الهدى الذي تدعو به في الفاتحة، ثم مقام المحبة الذي هو من آفاق الهدى: غاية من غايات الإحسان ..

ولن تذوق الإحسان ما لم يكتمل إسلامك فإيمانك : فهما مقامان لازمان لتذوق مقامات الإحسان هاته ، والتي سنشرحها لكن بإيجاز :
" فخير الكلام ما قل ودل"..
فتعالى نبدأ من مقامات الإسلام فالإيمان قبل أن نرقى إلى هاته الآفاق العليا للإحسان.. وحتى الصديقية: 

"وبتلميح عملي لا استفاضة فيه لأن الموضوع يحتاج لوحده مجلدات خاصة ..

ولا نركز في هذا المقتطف على معلومات بل على الدعوة للعمل بكل هاته الأحوال والمقامات إن شاء الله تعالى "
فنلخص لك أخي ـ يا طالب النور والهدى ـ مقام الإسلام في:


ـ مقام الفريضة: ويبدأ بالتطهر الأكبرللدخول في الإسلام وهو الغسل الأكبر الواجب عليك بداية..ثم الشهادة بكل إخلاص ودون رياء ، فالرياء هو الشرك الأصغر الذي يبطل كل أعمالك وهو أن يكون غرضك من العبادة غير الله تعالى ومرضاته فتقول بإخلاص : "لاإله إلا الله محمد رسول الله" ..ولايكون لك هدف دنيوي من عبادتك مهما صغر أو كبر ، وبعد كمال نيتك إذن ثم طهارتك فشهادتك بلا إله إلا الله محمد رسولا الله" بكل يقين: عليك الإلتزام بأداء الصلوات الخمس فالصوم فالزكاة والحج لمن استطاع إليهما سبيلا.ولهذا تكفيك كتب الفقه الأصغر كبداية.


ـ مقام النافلة: وتبدأ من أول نوافل الذكر وهي: تكرار لا إله إلا الله :"إن الإيمان ليصدأ فجددوه بلا إله إلا الله" ثم نوافل الصلاة وخصوصا الرواتب فصوم التطوع كالأيام المباركة والأيام البيض والإثنين والخميس ..فالصدقات ونفقات الخير ..فالعمرات لمن يسر الله له ..واعلم أخي أن كل هاته النوافل من مستلزمات سلوكك فلا تكفيك الفريضة إن كنت من أولي العزم نحو المقامات العلى:فتشبت بهاته النوافل فلا يتشبت بها إلا مومن.


ـ مقام المعاملة : ويعني التعامل مع الناس بالحسنى وبالصدق والخير والحق واللين..


وهاته المقامات الثلات هي التي تجعل إسلامك يرقى إلى الإيمان ثم إيمانك يرقى إلى مقام الإحسان بحول الله إن فررت إلى الله حقا وأتممت سلوكك ..


واعلم أخي أن الأساس هو مقامات الإسلام هاته ..بينما مقامات الإيمان ومقامات وأحوال الإحسان فهي متشابكة ويتداخل بعضها في بعض ولها نشير بإيجاز في الفقرات التالية.. 

ولن يكتمل عملك بالفاتحة إلا في مقاماتها العليا..ألست تدعوا بمقام المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟ فارق لمقاماتهم وما ذلك على الله إن اجتباك بعزيز :"والله يهدي إليه ينيب"فارجع لله في كل صغيرة وكبيرة يوفقك الله لهاته الهداية بحوله وفضله ومنته سبحانه:


فماذا عن هاته الأحوال والمقامات التي هي سلم صعودك نحو سماوية روحك وقلبك وفكرك :بل وجوارحك وضمائرك وجوانحك كلها:


أولا ثم أولا :مقام التوبة : "وإن أول شروط ا لتوبة ا لنصوح : التوبة من كل ذنب ونهايتها التوبة من التوبة أي توبتك من أخطاء توبتك وتوبتك من رؤية أنك التائب لا الله هو الذي تاب عليك ..فالله تعالى قال:" وتاب عليهم ليتوبوا" ولم يقل :"تابوا فتاب عليهم "فافهم.. 

وعند الفقهاء لا تتم إلا باستغفارك وندمك وعزمك على عدم العودة لذنوبك ..وتحررك من واجباتك وحقوق غيرك .. 

وأما في مدرستنا فإلى جانب ما فرضه علم الفقه الأصغر..فلا يكتمل لك تحقيقها حتى تلتزم بست منازل هي:


1اليقظة: وهي ترك سكر الغفلات والإشتغال بالطاعات: فتقوم من سبات كسلك في الطاعات: لتشمر على الإنضباط في الصلوات الجماعية أول..ا ثم رواتبها فنوافلها ..فالأذكار الواجبة لك من تلاوة وهيللة وحمد واستغفار وحوقلة وتسبيح وتكبير فحسبلة.. فتلاوة وتجويد لكتابه تعالى .وبكل حرص على أن لا تعصى الله إلا مكرها ..وكلما وقعت في ذنب مهما صغر أو كبر بادرت في الإستغفار والتضرع واستئناف التوبة والصدقة والتنفل.


2التفكر: وهو التأمل في الكون والعلم والنفس: فتكون مصرا على أن تعبد الله بفكرك كما تعبده بجوارحك : وأول عبادة لك هنا الصلاة بعقلك :فلا تصل إلا وأنت تفكر في كل كلمة تقولها ،فتتمعن كل معاني ما تتلو من قرآن كريم وتسبيح وتكبير وغيره من الأدعية.. ثم استعمال الفكر في الدراسة والتعلم بكل يقظـة..فتقرأ ساعيا للفهم العميق لا للحفظ والفهم البسيط...ولن يكمل لك هذا الفهم العلي حتى تبدأبالتفكر في جسمك كيف أبدعه الله وسواه في أحسن صورة ،وفي معجزات الله في نفسك وفي غيرك إلى أن تتأمل الكون كله :" سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " فبهذا تصل للحق والحقيقة والرسول صلى الله عليه وسلم قال لحارثة بعد أن قال له حارثة :لقد أصبحت مومنا حقا " فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك "؟" فتحقق جزاك الله من كل شيء..ونحن لحد الآن لا نتكلم إلا عن المقام الأول ..: حقيقة إسلامك .فتحقق وحقق معنا ولا تكن من أولي الهمم الدنيئة ..


3البصيرة:وبدايتها المعرفة بالعيوب ونهايتها الفراسة التي لاتخطئ والكشف المحق ..فالبداية هنا هي بداية مقام المراقبة الذاتية فيكون منك إثنان نفس تعيش وقلب وعقل وروح يراقبونها بكل صرامة ..ولا تغلب واحدة ثلاثة إن صبرت في البدايات. خصوصا عندما تذوق عسل قلبك الذي هو حلاوة إيمانك ..وخصوصا إن صفت قليلا بصيرتك فانطبق عليها قوله عليه الصلاة والسلام :"اتقوا فراسة المومن فإنه يرى بنور الله"..فبعدها لك أن تطمع في مقام الشهود والكشف كما سنبين لك فيما بعد. وإن تحركت هنا بصيرتك واستمررت في السلوك فقد فلحت للرقي نحو مقامات المحسنين.


4 العزم: وهو الجزم في إرادة وجه الله تعالى محبة لذاته: حيث يكون لك عزم ثابت لعبادة الله محبة لوجهه الكريم والقرب منه ..وهذان المقامان" البصيرة والعزم" ليسا من مقامي أهل الإسلام ولا الإيمان فقط ..بل هما من أعلى مقامات الإحسان كما سيتبين لك فيما بعد ..فاعزم إذن على أن تحب الله حقا وتتقرب منه صدقا، لكن ليس بنفسك :إذلا تصل لهذا إلا إذا تبرأت من حولك وقوتك لحوله وقوته :" وإذا عزمت فتوكل على الله" فعليك الإجتهاد وعليه سبحانه وتعالى الثمرات.


5 المحاسبة: وهي سؤال النفس عن كل قول وفعل ..فتحاسب نفسك عن القول فلا تتكلم إلا لضرورة ومنفعة ملغيا لكل لغو وكل ذنوب اللسان " فمن كثر لغطـه كثر خطـأه" وتحاسب نفسك عن كل عمل هل هو صواب وعلى السنة إن كا ن حلالا؟..وهل هو خالص لوجه الله؟.. كما تتوب من كل قول وعمل ذميم مهما صغر.


6 المراقبة: وهي الشعور بحضرة الرقيب تعالى : فتراقب نفسك لأن هناك من يراقبك وهي الملائكة بعد الله تعالى. فتراقب نفسك كما سلف وأنت تستشعر مراقبة الملائكة الكرام عليهم السلام والله سبحانه وتعالى :" فإنك بأعيننا "
وبهاته المنازل الست تكون قد عمقت أسس توبتك وفي نفس الوقت بنيت كل ركائز المقامات العلى :

ومن علامات قبول التوبة بمقاماتهاالست هاته أربع منازل أخرى هي :


1الإنابة:وهي الرجوع الكلي لله في كل صغيرة وكبيرة ..فتكون من الأوايبن كما الأنبياء :" إن إبراهيم لحليم أواب" ..وهاته الإنابة هي بداية فرارك نحو الله تعالى :" ففروا إلى الله"


2التذكر: دوام الذكر والعلم والتفكروالتضرع..فيكون لك وردا يوميا من الذكر والدعاء المأثورين بعد الصلوات وخصوصا عند الشروق والغروب كما يكون لك وقت معلوم لتلاوة وتجويد القرآن الكريم ووقت لدراسة القرآن والعلوم ما استطعت .


3الاعتصام:الإستجارة بطاعة الله من معصيته..وهاهنا يلزمك التحقق من " لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " فتتحقق من عجزك الكامل ومن قدرته سبحانه المقتدرة: فتعتصم بقدرته ولا تتكل إلا عليه ..ولا يتم لك ذلك إلا إذا احتميت بطاعته وفررت من كل المعاصي ما استطعت.


4 الفرار لله: وهو نتيجة إنابتك إن كانت صادقة وهو بداية السلوك نحو رحاب الأحوال والمقامات:فتزهد في كل ما سواه سبحانه:وهذا الزهد يعني زهدك في كل حرام ولا تأخذ من دنياك إلا الحلال: ولا يعني هذا زهدك في بعض الحلال فذاك مقام الورع الذي لم تصله بعد.
ومن نتائج هاته المقامات السالفة كلها كل أحوال ومقاما ت السلوك...

قصائد في حب الله تعالى : 

عرفت الهوى مذ عرفت هواك 

وأغلقت قلبي عن من سواك 

وبت أناديك يا من ترى 

خفايا القلوب ولسنا نراك 

أحبك حبين حب الهوى

 وحبا لأنك أهل لذاك 

فأما الذي هو حب الهوى 

فشغلي بذكرك عمن سواك 

وأما الذي أنت أهل له 

فكشفك لي الحجب حتي أراك 

فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي 

ولكن لك الحمد في ذا وذاك

 وأشتاق إليك شوق النوى 

وشوقا لقرب الخطى من حماك

 فأما الذي هو شوق النوى 

فنار حياتي غدت في ضياك 

وأما اشتياقي لقرب الحما 

فما ترى الدموع لطول نواك

 فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي 

ولكن لك الحمد في ذا وذاك 

*********************************

على أبوابكم عبد ذليل 

كثير الشوق ناصره قليل 

له أسف على ما كان منه 

وحزن من معاصيه طويل

 يمد إليكم كف افتقار 

ودمع العين منهمل يسيل 

يرى الأحباب قد وردوا جميعا

 وليس له إلى ورد سبيل 

أكون نزيلكم ويضام قلبي

 وحاشا أن يضام لكم نزيل 

فإن يرضيكم طردي وبعدي 

فصبري في محبتكم جميل 

وحق ولائكم وشديد شوقي 

سلوّي عن هواكم مستحيل 

قضيت بحبكم ايام عمري 

فلا أسلوا وهل يسلى الجميل

*********************************

 أيا من ليس لي منه مجير 

بعفوك من عذابك استجير 

أنا العبد المقر بكلّ ذنب 

وأنت السيّد المولى الغفور 

فإن عذّبتني فبسوء فعلي 

وإن تغفر فأنت به جدير 

أفر إليكم منك وأين إلاّ 

إليك يفرّ منك المستجير 

********************************

 يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة 

فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم 

إن كان لا يدعوك إلاّ محسن

 فمن الذيرجو ويدعو المجرم 

أدعوك ربّي كما أمرت تضرّعا 

فإذا رددت يدي فمن ذايرحم 

مالي إليك وسيلة إلاّ الرجا 

وجميل عفوك ثمّ إنّي مسلم 

********************************

إلهنا ما أعدلك مليك كلّ من ملك 

لبّيك، قد لبّيت لك 

لبّيك إنّ الحمد لك 

والملك، لا شريك لك 

ما خاب عبد سألك 

أنت له حيث سلك 

لولاك ياربّ هلك 

لبّيك إنّ الحمد لك 

والملك لاشريك لك

 كلّ نبيّ وملك

 وكلّ من أهلّ لك

 وكلّ عبد سألك 

سبّح أو لبّى فلك 

لبّيك إنّ الحمد لك 

والملك لا شريك لك 

واللّيل لمّا أن حلك 

والسّابحات في الفلك 

على مجاري المنسلك

 يا مخطئا ما أغفلك 

عجّل وبادر أجلك 

واختم بخير عملك 

لبّيك إنّ الحمد لك 

والعزّ لا شريك لك

 والملك لا شريك لك

 والحمد والنّعمة لك 

 ********************************

يامن يرى ما في الضمير ويسمع

 أنت المعدّ لكل ما يتوقع 

يامن يرجى للشدائد كلها 

يامن إليه المشتكى والمفزع 

يامن خزائن رزقه في قول كن 

أمنن فإن الخير عندك أجمع 

مالي سوى فقري إليك وسيلة

 فبالإفتقار إليك فقري أدفع 

مالي سوى قرعي لبابك حيلة 

فلئن رددت فأيّ باب أقرع 

ومن الذي أدعو وأهتف باسمه

 إن كان فضلك عن فقيرك يمنع 

حاشا لجودك أن يقنط عاصيا 

الفضل أجزل ، والمواهب أوسع 

*********************************

يامن تحل بذكره عقد النوائب والشدائد 

يامن إليه المشتكى وإليه أمر الخلق عائد

 يا حي يا قيوم يا صمد تنزه عن مضادد 

أنت الرقيب على العباد وأنت في الملكوت واحد

 أنت العليم بما ابتليت به وأنت علي شاهد 

إن الهموم جيوشها قد أصبحت قلبي تطارد

 فرج بحولك كربتي يامن له حسن العوائد

 فخفي لطفك يستعان به على الزمن المعاند 

أنت الميسر والمسبب والمسهل والمساعد

 سبب لنا فرجاً قريباً يا إلهي لا تباعد 

كن راحمي فلقد يئست من الأقارب والأباعد 

وعلى العدى كن ناصري لا تشمتن بي الحواسد

 ياذا الجلال وعافني مما من البلوى أكابد

 وعن الورى كن ساترا عيبي بفضل منك وارد

 يارب قد ضاقت بي الأحوال وإغتال المعاند 

فأمن بنصرك عاجلا فضلا على كيد الحواسد 

هذي يدي وبشدتي قد جئت يا رباه قاصد 

فلكم إلهي قد شهدت لفيض لطفك من عوائد

الخشوع:

الخشوع لغةً: هو الخُضوعُ، والسُّكونُ، والتذلُّلُ، والفعل منه: خَشَعَ؛ يُقال: خشَع الشخصُ لربّه: أي خضع واستكان، وتضرّع، وتذلّل، والخُشوعُ يمكن أن يكون في البدن، أو الصوت، أو البصر.

 الخشوع شرعاً: هو تحقُّق تذلُّل القلب، وخضوعه، وانكساره لله -سبحانه-، ومن ذلك قول الله -تعالى-: (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) .

 والخشوع في الصلاة: أن يتفاعل المصلّي مع ما يقرؤه ويتلوه ويؤدّيه في الصلاة، فيشعر أنه في صلة مع الله -عز وجل- أثناء صلاته .

كما يُعرَّف الخشوع بأنّه: قبول القلب للحقّ، والانقياد إليه، والخضوع له إن خالف هواه، وبخشوع القلب يتحقّق خشوع الأعضاء، والجوارح؛ إذ إنّها تتبع القلب .

وبناءً على ما سبق فالقلب مَحلّ الخشوع، مع ظهور آثاره وعلاماته على الجوارح، ولا يتحقّق الخشوع إن لم يكن في القلب .

 وتجدر الإشارة إلى أنّ لفظة (الخشوع) وردت في القرآن الكريم مرتبطة بالصلاة، كما وردت مطلقة. 

حُكم الخشوع في الصلاة

اتّفق جمهور أهل العلم على أنّ الخشوع سُنّةً من سُنن الصلاة، واستدلّوا على ذلك بعدم بطلان صلاة من فكّر بأمرٍ من أمور الدنيا، ويُحكَم على صلاته بالصحّة، خاصّةً إن كانت أفعالها صحيحةً.

وخالفهم في ذلك الإمام الغزالي، حيث ذهب إلى اعتبار الخشوع في الصلاة شرطاً لصّحتها؛ استدلالاً بعدّة أدلّةٍ من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، يُذكَر منها: 

قول الله -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكري)، وظاهر الأمر في الآية يُفيد الوجوب، والغافل عن الصلاة غير المُحقّقِ للخشوع لا يكون مُقيماً للصلاة، كما قال -تعالى-: (وَلا تَكُن مِنَ الغافِلينَ).

فالنهي عن الغفلة وعدم الخشوع يُفيد التحريم، وكذلك نُهِيَ السكران عن الصلاة حتى يعلم ويدرك ما يقول؛ لأنّه غافلٌ لا يُحقّق الخشوع. 

وقول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَنْ لَمْ تَأْمُرْهُ صلاتُهُ بالمعروفِ وتنهاه عنِ المنكرِ لم يزْدَدْ مِنَ اللهِ إلَّا بُعْدًا).

فقال الغزالي بأنّ صلاة الغافل لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر. وإستدل بقول النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ للعبدِ من صلاتِهِ إلا ما عَقَلَ منها).

 وبقول رسول الله: (إنَّ العبدَ ليصلي الصلاةَ لا يُكتبُ له نِصفُها ولا ثُلُثُها ولا رُبُعُها ولا خُمُسُها ولا سُدُسُها ولا عُشْرُها).

وبعدم تحقُّق المناجاة لله من الغافل غير الخاشع؛ إذ إنّ المُصلّي يُناجي ربّه في صلاته. 

كيفيّة الخشوع في الصلاة :

 يمكن للمسلم تحقيق الخشوع في الصلاة بعدّة أمورٍ، ومنها ما يأتي: 

تجنُّب حديث النفس، والتفكير في أمور الدنيا، وتركيز التفكير في أمور الصلاة، وما فيها من الأقوال، والأفعال. 

النظر إلى موضع السجود حال القيام، وإلى الحضن حال الجلوس.

 تجنُّب ارتداء ملابس قد تُلهي المُصلّي، وتُشغله. 

عدم الإكثار من الحركة، والالتفات أثناء الصلاة. 

عدم عدّ الآيات التي تُقرَأ في الصلاة، أو مرّات التسبيح في الركوع والسجود. 

حرص المُصلّي على وضع سترة، أو حاجزٍ أمامه. 

تدبُّر معاني آيات القرآن الكريم.

 استحضار القُرب من الله -تعالى- في الصلاة، وخاصّةً في السجود الذي يُعَدّ موضع استجابة الدعاء، ورَفع الدرجات.

أسباب الخشوع في الصلاة : 

يجدر بالمصلي أنْ يحرص على تحقيق الخشوع في الصلاة؛ فيلتمس سبل ذلك، ويبتعد عن كلّ ما من شأنه أنْ يضعف خشوعه فيها، ومن هذه الأسباب ما يأتي: 

الاستعداد للصلاة والتهيُّؤ لها، ومن ذلك: حُسن الوضوء، والدعاء بين الأذان والإقامة، والتسوُّك، وتسوية الصفوف، وانتظار الصلاة، والاطمئنان فيها. 

قراءة الآيات آيةً آيةً؛ فذلك يُعين على التدبُّر والخشوع، والحرص على ترتيل الآيات. 

إستشعار إجابة الله لعبده المُصلّي، قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (قالَ اللَّهُ تَعالَى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ العَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ)، قالَ اللَّهُ تَعالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وإذا قالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، قالَ اللَّهُ تَعالَى: أثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وإذا قالَ: (مالِكِ يَومِ الدِّينِ)، قالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وقالَ مَرَّةً فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي، فإذا قالَ: (إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قالَ: هذا بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ: (اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عليهم غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ) قالَ: هذا لِعَبْدِي ولِعَبْدِي ما سَأَلَ). 

تجنُّب التركيز على آياتٍ، أو أدعيةٍ، أو أذكارٍ مُعيَّنةٍ في الصلاة وترديدها في كلّ صلاةٍ، بل يجب الحرص على التنويع فيها، وبذلك تتجدّد المعاني والدلالات، ويتحقّق الخشوع أيضاً. 

أداء سجود التلاوة إن مرّ به المُصلّي أثناء القراءة في الصلاة. 

الاستعاذة بالله، واللجوء إليه من الشيطان الرجيم؛ وبذلك يتّقي المُصلّي وساوس الشيطان، ويطردها. 

حرص المسلم في أوقات فراغه على مطالعة حال السّلف الصالح مع الصلاة، واستحضار سيرتهم في الخشوع فيها؛ فقد كان عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- يتغيّر لون وجهه، وتتغيّر حالته إن حضرت الصلاة، وحين سُئِل عن ذلك أجاب بأنّه وقت الأمانة. 

معرفة عظيم أجر الخشوع في الصلاة، وممّا يُبيّن ذلك قول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (يقولُ ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فيُحْسِنُ وُضُوءَها وخُشُوعَها ورُكُوعَها، إلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ). 

عدم أداء الصلاة في حال حصر البول، أو الغائط، أو الرِّيح، أو النوم، أو حضور الطعام؛ لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا صَلَاةَ بحَضْرَةِ الطَّعَامِ، ولَا هو يُدَافِعُهُ الأخْبَثَانِ)، وقوله: (إذَا نَعَسَ أحَدُكُمْ في الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ، حتَّى يَعْلَمَ ما يَقْرَأُ).

 أداء الصلاة بعيداً عن أيّ أمرٍ قد يُشغل البال والتفكير، ومن ذلك أداؤها بعيداً عن المُتحدِّثين والمُتكلِّمين؛ لعدم التفكير في حديثهم. 

تجنُّب رفع البصر إلى السماء، أو التثاؤب، وغير ذلك من الأمور الصارفة للخشوع.

 النظر إلى موضع السجود، وعدم الالتفات في الصلاة.

 موانع الخشوع في الصلاة

توجد عدّة أمورٍ لا بُدّ للمُصلّي من الابتعاد عنها؛ كي يُحقّق الخشوع في الصلاة، ومنها:

الاختصار في الصلاة: وقد اختلف العلماء في معناه؛ فمنهم من فسّره بوضع اليد على الخاصرة، وقِيل إنّه الاقتصار في القراءة، وعدم إعطاء الصلاة حقّها؛ وذلك بالاختصار من واجباتها.

 كثرة العبث والحركة: جاء تشريع الصّلاة في الإسلام معزّزاً بجملة من السّنن والآداب التي تحفظ للمصلي خشوعه فيها؛ ولذلك لا تليق بها كثرة العبث والحركة؛ فذلك يُفقد المُصلّي الخشوع.

 فرقعة الأصابع: لأنّ ذلك ينافي الخشوع، ومثل ذلك الفعل العبثُ باللحية، أو الساعة، ونحو ذلك.

 إلصاق القدمَين: حيث ذهب الحنفية إلى سنيّة التفريق بين القدمَين بمقدار أربعة أصابع؛ تحقيقاً للخشوع، وقد عَدّ الشافعية إلصاق القدمَين ببعضهما تكلُّفاً يُنافي الخشوع، وكرهوه، وقالوا بالتفريق بين القدمَين بمقدار شِبْرٍ، أمّا المالكية والحنابلة، فقد قالوا بأن يُفرِّج المُصلّي بين قدميه بالمقدار المعروف عُرفاً، وبقَدْرٍ مُتوسّطٍ؛ بحيث لا يضمّهما، ولا يُوسّع بينهما كثيراً، وقالوا إنّ التفريق بين القدمَين مندوبٌ.

ثمرات الخشوع في الصلاة 

تترتّب العديد من الثمرات، والآثار الحسنة على الخشوع في الصلاة، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضها:

 تكفير صغائر الذنوب؛ لقول النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ).

 استجابة الدعاء في الصلاة. سببٌ في قبول الطاعات، وسائر الأعمال.

 نيل الثواب العظيم الذي أعدّه الله -تعالى- لعباده الطائعين. 

تحقيق صفة الفلاح، لقول الله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ).

 حبّ الصلاة والمسارعة إليها، والعون على أداء ما أوجبه الله -تعالى-، والبُعد عمّا حرّمه.

أدعية وأذكار نبوية شريفة



وظيفتنا الثانية :

بسم الله الرحمان الرحيم

من أهم الأدعيةالنبوية: 

(اللهم إني عبدُكَ ، وابنُ عبدِكَ ، وابنُ أَمَتِكَ ، ناصيتي بيدكَ ، ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ ، عدلٌ فيَّ قضاؤُكَ ، اللهم إني أسألكَ بكلِّ اسمٍ هو لك ، سميتَ به نفسكَ ، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِكَ ، أو أنزلتهَ في كتابِكَ ، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندك ، أن تجعلَ القرآنَ الكريم ربيعَ قلبي ، ونورَ صدري ، وجلاءَ حزني ، وذهابَ همِّي وغمي ) .

(اللهمّ إليك أشكو ضعف قوّتي وقلّة حيلتي وهواني على النّاس، يا أرحم الرّاحمين، أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهّمني؟ أم إلى عدوٍّ ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الّذي أشرقت له الظّلمات، وصلح عليه أمر الدّنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك، لك العتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلّا بك) .

الدعاء :

عبادة الدعاء يُعَدّ الدعاء أساس العبادة، وروحها؛ لأنّ الداعي لا يتوجّه إلى ربّه بالدعاء إلّا لِعلمه اليقين بأنّ النّفع وجلب الخير وكشف الضّر بيد الله وحده، وهذا دليل على الإخلاص، والتوحيد؛ وهما من أفضل العبادات؛ فقد قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (الدُّعاءَ هوَ العِبادَةُ، ثمَّ قرأَ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)..

 ويُستحَبّ للمسلم الإكثار من الدعاء؛ لأنّه في حَدّ ذاته عبادة يشعر المسلم من خلالها بلذّة الصِّلة، والتعلُّق بالله -تعالى-، والقُرب منه ..

 والدعاء هو: توجُّه العبد إلى ربّه بطلب حاجته، وهو مندوب في كلّ وقت، فلم يجعل الله -سبحانه وتعالى- له وقتاً مُحدَّداً، أو حَدّاً مُعيَّناً، وهو ينقسم إلى: دعاء ثناء، ودعاء مسألة؛ أمّا دعاء الثناء، فهو: دعاء الله -تعالى- بأسمائه، وصفاته؛ لتحقيق ما يحبّه الداعي، أو دَفع ما يكرهه، أمّا دعاء المسألة، فهو: طلب المَنافع من الله -تعالى-، وطلب دَفع الأضرار عن الداعي، وفي كلا النوعَين يُعَدّ عبادة.

أهمّية الدعاء 

أهمّية الدعاء التوجُّه لله -تعالى- بالدعاء له أهمّية كبيرة تعود على المسلم بالنَّفع في الدُّنيا، والآخرة، ومنها ما يأتي: استشعار قُرب الله -تعالى-، واستجابته للدعاء؛ قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وقد قال السعدي في سبب نزول هذه الآية إنّها نزلت ردّاً على تساؤل بعض الصحابة عن الله -تعالى-؛ فقالوا للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "يا رسول الله، أقريب ربّنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟"، فبيَّنت الآية الكريمة أنّ الله -تعالى- قريب، ورقيب، وشهيد، يعلم ما يُسرّ الداعي في صَدره، وما يُعلن، فيُجيبه، ويُعطيه. استجابة الله -تعالى- للدعاء إذا حقّق الداعي شروط الاستجابة، وهي: تحقيق الإيمان بالله -تعالى-، وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، وحضور القلب، والدعاء بأمر جائز شرعاً؛ لأنّ الآية الكريمة السابقة ربطت حصول الرُّشد، والحصول على الإجابة بتحقيق هذه الشروط، بالإضافة إلى أنّ المسلم يدعو الله -تعالى- وهو مُوقِن بالإجابة، وواثق بها؛ فيدعو بعَزم، ورغبة، ورجاء؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، فإنَّه لا مُكْرِهَ له).

 مع معرفة أنّ الدعاء هو أفضل عبادة؛ لأنّ في الدعاء استدعاء للعون من الله -تعالى-، واستمداد له منه، وفيه بيانٌ لافتقار العبد إلى الله -تعالى-، كما أنّ الإنسان يتبرّأ فيه من حوله وقوّته، ويلجأ إلى كرم الله -تعالى، وجوده، وحوله، وقوّته؛ قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ)، وقد حثّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه على أن يسألوا الله -تعالى- حاجاتهم جميعها، وثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أيضاً أنّها قالت: (قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ابنُ جُدْعانَ كانَ في الجاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهلْ ذاكَ نافِعُهُ؟ قالَ: لا يَنْفَعُهُ، إنَّه لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ)؛ وقد أشار النبي -عليه السلام- في الحديث إلى الدّعاء على اعتبار أنّه مظهر من مظاهر الإيمان، وأثر من آثاره التي تُخرج المرء من دائرة الكفر إلى رحاب الإيمان؛ ليكون إيمان العبد سبباً في الانتفاع بأعماله الصالحة. 

وكذا معرفة أنّ الدعاء هو أكرم عبادة على الله -تعالى-؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ شيءٌ أَكْرَمَ علَى اللَّهِ منَ الدُّعاءِ).

ومعرفة أنّ الدعاء ينفع فيما نزل من القضاء، وفيما لم ينزل؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يُغْنِي حَذَرٌ من قَدَرٍ، والدعاءُ ينفعُ مما نزل، ومما لم يَنْزِلْ، وإنَّ البلاءَ لَيَنْزِلُ، فيَتَلَقَّاه الدعاءُ، فيَعْتَلِجَانِ إلى يومِ القيامةِ)؛ ولذلك كان الدعاء من أقوى الأساليب التي يمكن أن يستخدمها المسلم ليدفعَ عن نفسه البلاء، والمكروه، ويستجلب به النَّفع؛ فهو سلاحُ المسلم الذي يُدافعُ به المصائب؛ إذ قد يدعو بدعاء قويّ فيغلب البلاء، وقد يدعو بدعاء ضعيف فلا يغلب البلاء، إلّا أنّه يُخفّف منه، وقد يدعو بدعاء يتدافع مع البلاء ويُعالجه.               فمعرفة أنّ الإكثار من الدعاء من الأمور التي أرشدَ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه إليها، وذلك بقوله: (ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ ؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاثَ : ( إما أن يُعجِّلَ له دعوتَه ، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ ، وإما أن يَصرِف عنه من السُّوءِ مثلَها . قالوا : إذًا نُكثِرُ . قال : اللهُ أكثرُ)..

 وكان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يُعلّم أصحابه صلاة الاستخارة التي يدعو فيها العبد ربّه؛ ليُسخِّرَ له الخير؛ فإن كان ما يريده في المستقبل خيراً له، يسَّرَه الله -تعالى- له، وإن كان شرّاً، صرَفَه عنه، كما بيّنَ لهم أنّه لا شيء يمكنه أن يردّ القضاء إلّا الدعاء؛ فقال: (لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ، ولا يزيدُ في العمرِ إلَّا البرُّ).

 أثر الدعاء 

يُعَدّ التوجّه إلى الله -تعالى بالدعاء الله ذا آثار عظيمة، وفوائد جَمّة، ومنها ما يأتي:

رَفْع المِحَن، والمصائب، وكَشْفها. 

سبب من أسباب الانتصار في المعارك؛ فقد كان أحد أسباب انتصار المسلمين في غزوة بدر. 

فَتح أبواب الخير المُختلفة، بينما يؤدّي تَركه إلى سَدّ هذه الأبواب. 

تكفير الذنوب، والمعاصي، وجَلب الخير، ورَفع الدرجات. 

نَيل أجر عبادة تُعَدّ من أرفع أنواع العبادات، وأفضلها. 

إظهار ضعف العبد، وذلّته، وحاجته إلى ربّه، وتضرُّعه بين يدَيه. 

تحقيق شرط حضور القلب في عبادة المسلم؛ لأنّ حاجته تجعله يخشع. 

بيان مفهوم التوكُّل على الله، والاستعانة به؛ لأنّ العبد ما توجَّه إلى الله -سبحانه وتعالى- به إلّا لثقته بقدرته على تحقيق مَطلوبه، أو دَفع مكروهه. 

الأدلّة على أهمّية الدعاء وفَضله 

وردت العديد من نصوص القرآن الكريم، والسنّة النبويّة التي تُبيّن فضل الدعاء، وأهمّيته، ومنها ما يأتي:

 قول الله -تعالى-: (ادعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ).

 قول الله -تعالى-: (قُلِ ادعُوا اللَّـهَ أَوِ ادعُوا الرَّحمـنَ أَيًّا ما تَدعوا فَلَهُ الأَسماءُ الحُسنى). قول الله -تعالى- على لسان نبيّه نوح: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ)،

 كما أنّ نبيّ الله موسى -عليه السلام- دعا على فرعون، وكلّ مظلوم يدعو الله -تعالى-؛ لأنّ الدعاء هو مَلاذ المظلومين، ومَلجأ المُستضعَفين؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ).

 قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ ربَّكم حَييٌّ كريمٌ يستَحي مِن عبدِهِ إذا رفعَ يدَيهِ إليهِ بدعوَةٍ أن يرُدَّهُما صِفرًا ليسَ فيهما شيءٌ).

 قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)؛ فقد بيّن الحديث أنّ الدعاء نَفْعه عظيم يشمل الأحياء، والأموات، وأنّه نَهج الأنبياء، والأصفياء. 

آداب الدعاء :

 ذكر العلماء مجموعة من الآداب التي يُستَحَبّ للمسلم أن يتحلّى بها في دعائه، ومنها ما يأتي:

 التماس أوقات الإجابة، وهي كثيرة، ومنها: يوم عرفة، وشهر رمضان، وليلة القَدر، ويوم الجمعة، وفي الثُّلث الأخير من الليل، وما بين الأذان والإقامة، وفي حال السجود. 

الابتهال والخشوع، والتضرُّع بين يدَي الله -تعالى-. 

البُعد عن استعجال إجابة الدعاء؛ بمعنى أن يقول الداعي: "لقد دعوتُ ولم يستجب لي"؛ لأنّ الاستعجال يُنافي الأدب مع الله -تعالى-.

 إجتناب الدعاء بإثم، أو قطيعة رَحِم، أو الدعاء على الأولاد، أو الزوجة، أو المال؛ لأنّ هذا الدعاء إذا وافق ساعة استجابة، فمن شأنه أن يُوقِع صاحبه في الحسرة، والندامة. 

الإخلاص في التوجُّه إلى الله -تعالى- بالدعاء. 

الإقبال على الله -تعالى- حين الدعاء، وحضور القلب.

إستقبال القبلة، والأكمل أن يكون الداعي على طهارة . 

الإلحاح في الدعاء؛ من خلال تكراره. 

إبتداء الدعاء بحَمد الله -تعالى-، والصلاة على رسوله محمد -صلّى الله عليه وسلّم-. 

الإستقامة على طاعة الله -تعالى-، والابتعاد عن معصيته، والابتعاد عن أكل مال الحرام؛ لأنّ من أسباب استجابة الدعاء طِيب المَطْعَم.

حقيقة الذكر وفضله 

يُقصد بالذكر: التذكّر، وعدم الغفلة والنسيان، ويكون بذلك ذكر الله هو: استحضار عظمته، وجلاله، مع التزام أوامره، وطاعته في كلّ حالٍ، ولذلك فإنّ من يعتقد أنّ ذكر الله -تعالى- يقتصر على التسبيح، والتهليل، والاستغفار يكون مُخطئاً؛ فالذكر أشمل من ذلك وأوسع؛ حيث إنّه يشمل الطاعات كلّها التي يقوم بها المسلم، فمن كان في طاعةٍ يأتيها، أو في معصيةٍ قد انتهى عنها كان ذاكراً لله -تعالى- في وقته ذاك.

وقد ورد بيان فضل الذكر، وأجر الذاكرين في القرآن الكريم، في عدّة مواضع، وكذلك ذكر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في كثير من الأحاديث الشريفة فضل الذكر؛ مُشجّعاً أصحابه والمسلمين من بعدهم ليكونوا من أهل الذكر، حيث قال: (ألا أخبرُكم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاقِ الذهبِ والفِضةِ، وخيرٌ لكم من أن تلقوْا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم، ويضربوا أعناقَكم، قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: ذِكرُ اللهِ).

 وعلى هذا يمكن القول إنّ خير الأعمال في ميزان الله -تعالى- ذكره، ومن الأحاديث التي بيّنت فضل ذكر الله -تعالى- كذلك قول الله -تعالى- في الحديث القدسيّ: (أنا عند ظنِّ عبدي، وأنا معه حين يذكرُني، فإن ذكرني في نفسِه، ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرتُه في ملأ خيرٍ منه).

 فوائد ذكر الله تعالى

إنّ لذكر الله -تعالى- فوائد عظيمة، ومنها ما ذكره وجمعه ابن القيّم رحمه الله، حيث إنّه جمع أكثر من مئة فائدة، وفي ما يأتي بيان بعضٍ منها: 

طرد الشيطان وصرفه. 

جلب رضا الله سبحانه. 

إزالة الهمّ والغمّ عن القلب. 

وضاءة الوجه والقلب.

تقوية القلب والبدن. 

جلب الرزق بإذن الله. 

إعطاء الذاكر المهابة والنضارة. 

إعانة الذاكر على التوبة والرجوع إلى الله عزّ وجلّ. 

إعطاء الحياة للقلب. 

حطّ الخطايا وإزالتها. 

إزالة الوحشة بين العبد وربّه عزّ وجلّ. 

النجاة من عذاب الله تعالى. 

ترك الفُحش من القول، والغيبة، والنميمة. 

وقاية العبد من حسرة يوم القيامة. 

تحقيق السعادة للذاكر، والمباركة في عمره. 

تحقيق النور في الدنيا والآخرة. 

سهولة الذكر وتيسييره للعبد، ولو كان في فراشه. 

عدل الذكر لعتق الرقاب، والجهاد في سبيل الله. 

تحقيق شكر الله سبحانه. 

جلاء قسوة القلب. 

مباهاة الله -سبحانه- بالعبد الذاكر أمام ملائكته. 

الغاية التي شرعت لأجلها العبادات بما فيها الصّلاة؛ حيث قال الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)...

والذاكرون الله كثيرا هم السابقون يوم القيامة، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (سبَق المُفرِّدونَ، قالوا: يا رسولَ اللهِ ما المُفرِّدونَ؟ قال: الذَّاكرونَ اللهَ كثيراً والذَّاكراتُ).  فهومعيار بناء البيوت في الجنة؛ فالذاكر تبني له الملائكة بيوتاً في الجنة وهو يذكر الله تعالى، فإذا أمسك عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء. 

أنواع الذكر 

بيّن أهل العلم أنّ للذكر معنيَين، أحدهما: عام؛ يشمل أنواع العبادات بعمومها؛ كالصلاة، والحجّ، وقراءة القرآن، والتسبيح، والدعاء، والمعنى الآخر وهو الأخصّ متمثّل بذكر الله -سبحانه- بالألفاظ التي وردت في القرآن الكريم أو في السنة النبويّة من تنزيهٍ، وتعظيمٍ لله، وكذلك قسّم العلماء الذكر إلى نوعين، هما: الذكر المطلق الغير المقيد بزمان ولا مكان ولا حال ولا مقام ، والذكر المقيّد بالعبادات المفروضة والنوافل وبالقرآن الكريم والسنة الشريفة ..

                              في الزهد : 

المرء آفته هوى الدنيا :
وهي دار من لا دار له
ومال من لا مال له
ولها يجمع من لا عقل له
والدنيا كالماء المالح
كلما إزددت منه شربا
إزددت عطشا
ولو كانت تساوي عند الله
جناح بعوضة
لما سقى الكافر منها شربة ماء
فيكفي المومن منها لقيمات
وراحة بال
فإزهد فيما عند الناس
يحبك الناس
وإزهد في الدنيا
يحبك الله


الأحد، 22 نوفمبر 2020

وظيفتنا الأولى:

بسم الله الرحمان الرحيم 

التوبة النصوح :

الحمد لله الذي وسعتْ رحمتُه كلَّ شيء، وفتَحَ باب التوبة للمذنبين؛ للرجوع والإنابة إليه، ووعد بالمغفرة عبادَه التائبين، فهو القائل سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم:8].

وأشهد ألاَّ إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، هَدَى الله به الخَلق، وأرشدهم به إلى طريق الفلاح في الدنيا والآخرة.

وبعد: التوبة، وما أدراك ما التوبة؟!

 تلك الرحمة التي امتنَّ الله بها على عبادِه المذنبين، فلا يقنَط المذنب ولا ييأس من رحمة الله التي عمَّتِ السمواتِ والأرض، فقد فَتح باب َالتوبة أمامَ كلِّ عاصٍ ومذنب، فقال سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].

إنَّ الإنسان بطبيعته مخلوقٌ ضعيـف، يرتكب الأخطاء، ويقع في المحظورات، ويقترف المعاصي، وذلك نتيجةَ الغفلة التي تستوْلي على قلبه، فتحجب بصيرتَه، ويُزيِّن له الشيطان سُبلَ الضلال، فيقع فيما حرَّمه الله عليه، ومهمـا بلـغ الإنسانُ من التقوى والصلاح، فإنَّه لا يَسْلم من الوقوع في الأخطاء، ولا يُعصم من المخالفات، فالمعصوم هو نبيُّنا محمَّد عليه أفضل الصَّلاة وأزكى السلام فهو القائل: «كلُّ بَني آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوَّابون».

هذه الرحمة الربَّانيَّة من ربِّ البرية بعباده تتجلَّى في توبته على العاصي بعد عصيانه، والمذنب بعد اقتراف ذنوبه، فرحمتُه وسعتِ البَرَّ والفاجر، بل وسعتِ السمواتِ والأرض فقد قال سبحانه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} }[الأعراف:156].

 وفي الحديث: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأى وأصحابُه أُمًّا تضمُّ طفلها إلى صدرها بكلِّ عطف وحنان، فقال لأصحابه رضي الله عنهم: «أتروْن هذه طارحةً ولدَها في النار؟»، قالوا: لا والله قال:«لَلَّهُ أرحمُ بعباده مِن هذه بولدها»، (أخرجه البخاري، [5540]).

ومن رحمته سبحانه وتعالى فَتَحَ بابَ الأمل أمامَ العاصين والمذنبين للتوبة والرجوع إليه سبحانه، فلم يكن الذنب مدعاةً للتمادي في الذنوب، ولم يكن لاقترافِ ذنب أن يُغلَق بابُ الرحمة والغفران.

 يقول المصطفي صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ يَبسُط يدَه باللَّيل ليتوبَ مسيءُ النهار، ويَبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيءُ اللَّيل، حتَّى تطلع الشمس من مغربها»، (أخرجه مسلم [4954]).

 ومن هنا ندرك كرمَ الله، ومَنَّه على عباده بالتوبة عليهم في هذا التوقيت الخاص، بل هو يتوب عليهم سبحانه وتعالى كلَّ ليلةٍ أو يوم .

وفي شروط التوبة يقول الإمام النوويُّ رحمه الله تعالى: "قال العلماء: التوبة واجبةٌ من كلِّ ذنب، فإن كانت المعصيةُ بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلَّق بحقِّ آدميٍّ، فلها ثلاثةُ شروط: أحدها: أن يُقلعَ عن المعصية. والثاني: أن يَندمَ على فِعْلها. والثالث: أن يَعزمَ على ألاَّ يعودَ إليها أبدًا. فإن فُقِد أحدُ الثلاثة لم تصحَّ توبته".

 وإن كانت المعصية تتعلَّق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حقِّ صاحبها، فإن كانت مالاً أو نحوه ردَّه إليه، وإن كانت حدَّ قذفٍ ونحوه مكَّنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غِيبةً استحلَّه منها، ويجب أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب مِن بعضها صحَّت توبتُه عند أهل الحقِّ من ذلك الذنب، وبقي عليه الباقي، وقد تظاهرت دلائل الكِتاب والسُّنة، وإجماع الأمّة على وجوب التوبة"اهـ.

 أخي المسلم: إنَّ العبد مأمورٌ بالتوبة حتَّى الممات، وإذا كانت التوبة طريقَ الطاعات والأعمال الصالحة، فهي تفتح للعبد أبوابًا من المحبَّة، فهذا الطريقُ من أسرع الطُّرق إلى الله تعالى وهو يسمَّى بطريق الصبر، يسبق التائب بها السعادة.

فالتوبة التي يريدها الله منَّا، ويقبلها عنَّا، ويغفر بها لنا هي التوبةُ النصوح، التوبة الصادقة المخلصة التي يُبتغى بها رضا الله سبحانه.

 توبة يرافقها العزمُ الأكيد على تَجنُّب الخطايا والذنوب.

توبة يُصاحبها العمل المخلص، والعبادة الخالصة لله سبحانه.

توبة تُحدِث تغيراتٍ في حياة المسلم، فتنقله إلى حياة الإيمان والعمل الصالح.

 وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:

قال الله تبارك وتعالى: «يا ابنَ آدم، إنَّك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان فيكَ ولا أُبالي، يا ابنَ آدم، لو بَلغتْ ذنوبُك عَنانَ السماء ثم استغفرْتَني، غفرتُ لك ولا أبُالي، يا ابنَ آدم، إنَّك لو أتيتَني بقُراب الأرض خطايَا، ثم لَقِيتني لا تشركُ بي شيئًا، لأتيتُكَ بقُرابها مغفرةً»، (أخرجه الترمذي، [3463]).

 فالأمَّة المحمديَّة أمَّةٌ مرحومة، بفضل الله وكرمه، الذي أنعم عليها برسولها صلَّى الله عليه وسلَّم سيِّد المستغفرين، الذي كان يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثرَ من مائة مرَّة، فهو إمامُ التائبين الذي فضَّله الله وكرَّمه على الخَلق أجمعين، والأنبياء والمرسلين.

فتُبْ إلى الله أخي المؤمن واستغفرْه من كلِّ ذنب، إنَّه هو الغفور الرحيم.

وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سيِّدنَا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وأستغفر الله العظيم

إن الله غفور رحيم.

بسم الله الرحمان الرحيم

دعاء المومنين :

ربنا لا تواخذنا إن نسينا أو أخطأنا ،

ربنا ولا تحمل علينا إصرا

كما حملته على الذين من قبلنا ،

ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ،

واعف عنا ، واغفر لنا ، وارحمنا ،

أنت مولانا ، فانصرنا على القوم الكافرين.

سيد الإستغفار :

 اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ،

خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ،

وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ،

أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ،

 أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي؛

فَاغْفِرْ لِي ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ . 

فضل الإستغفار في تحقيق الأمنيات :

شرعَ الله -عزَّ وجلَّ- لعباده طريقَ الأمان والسلام وهو طريقُ الحق، ولكن رُبَّما يزيغُ المسلم عن هذا الطريق بارتكابِ بعض الذنوب والمعاصي التي تُعدُّ مدمرةً للقلب ومُظلمةً لها؛ ولذا شرعَ الله -عزَّ وجلَّ- طريقةً للتكفيرِ عن تلك الذنوب وهي الاستغفار بالإضافة إلى ترك المعاصي، بل إنَّها تجلبُ الخير لذلك العبد المُستغفر؛ لأنَّ الاستغفار غيرُ متعلقٍ فقط بارتكابِ الذنوب بل هو فعلٌ يفعله أيضًا أولياءُ الله وأحبائه من أجل تحقيق فضل الاستغفار في تحقيق الأمنيات؛ لأنَّ الاستغفار سببٌ لجلب الخيرات والبركات كما هو سببٌ في النجاة، كما قال الله في كتابه العزيز: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}

وكما تمَّ البيانُ فإنَّ الاستغفار هو طلبُ المغفرة بالدعاءِ والتوبة وأنَّ هناك للاستغفار فضائلُ في جلب الرحمة ورفع العذاب وتحقيقِ النجاة في الدنيا ويوم القيامة كما قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ

 وإن تحقيق النَّجاة والفوز بالجنة هي مِن أُولى الأمنيات التي يحقِّقها المسلم في بابِ فضل الاستغفار في تحقيق الأمنيات وأيُّ شيء أعظمُ من هذا فقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وهذه هي أمنية العبد في الآخرة.

 وأمَّا الأمنيات التي يتمنَّاها البعض في الدُّنيا فقد جاءَ للاستغفار فضلٌ في تحقيقها أيضًا؛ فقد جمع الاستغفارُ بين فضلي الدنيا والآخرة كما قال الله على لسانِ نبيه نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}، فقد شملت هذه الآية على مُعظم الأمنيات التي يطلبها العبادُ من الله عزَّ وجلَّ فقد ذكرت نزول المطر وأيضًا الرزقَ بالبنين والأموال كما شملت النجاةَ في الآخرة؛ وفي هذا دليل صريحٌ على فضل الاستغفار في تحقيق الأمنيات وفي هذا شواهدُ أيضًا من السنة النبوية.

من أدعية الاستغفار وصيغها :

جاءت العديدُ من الصيغ والأشكال للاستغفار في كتاب الله -عزّ وجلّ- والسنة النبوية وقد جاء في كتاب الله الصيغ الآتية: قوله تعالى: {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ} وقوله أيضًا: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} وأمَّا ما جاء في السنة النبوية فمنه ما قاله النبي صلّى الله عليه وسلّم: "مَنْ قال: أستغفرُ اللهَ الذي لا إلهُ إلَّا هو الحيُّ القيومُ وأتوبُ إليهِ، ثلاثًا، غُفِرَتْ لهُ ذنوبُهُ، وإن كان فارًا مِنَ الزحفِ"

 وقد جاء في الحديث أيضًا بلفظِ سيد الاستغفار ما يأتي: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ قالَ: ومَن قالَها مِنَ النَّهارِ مُوقِنًا بها، فَماتَ مِن يَومِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ومَن قالَها مِنَ اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها، فَماتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ"

وكل هذه الصيغ تؤدي للمعنى الحقيقي للاستغفار وهو طلب المغفرة لعلّ الله يحققّ للمسلم أمنياته في الدنيا والأخرة ، ويحقق لنا كلّ الرجاء ، غفرانك اللهم

يا نفس توبي :

يا نفس توبي فإن الموت قد حانا. 
واعص الهوى فالهوى ما زال فتانا

أمــا ترين المــنايا كيف تلقـــطنا .... 
لقــــطاً وتلحــق أخــرانا بأولانا

في كل يوم لــنا ميـت نشـــيعه ...... 
نــرى بمصــرعه آثــــار موتــانا

يا نفس ما لي وللأموال أتــركها ...... 
خلفي وأخرج من دنياي عريانا

أبعد خمسين قــد قضّيْتها لعـــباً ....... 
قد آن أن تقصـري قد آن قد آنا

ما بالنا نتعامى عن مصـــائرنا ........ 
ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا

نزداد حــرصاً وهذا الدهر يزجرنا .. 
كأن زاجـــرنا بالحــــرص أغــرانا

أين الملوك وأبنــاء الملوك ومـن ...... 
كانت تخـــر له الأذقــان إذعـانا

صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا.
مستبدلين من الأوطان أوطانا

خـلوا مدائن كان العــــز مفرشـها .. واستفرشوا حفراً غبراً وقيعانا

يا راكضاً في ميادين الهوى مرحـاً ..
 ورافــلاً في ثياب الغيِّ نشوانا

مضى الزمان وولى العمر في لعب ... 
يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا.
يكفيك ما قد مضى......
قد كان ما كانا..

الجمعة، 9 أكتوبر 2020

حزب الختم :

بإسمك الأعظم اللهم يا رحيم

سبحانك اللهم وبكل محامدك عدد خلقك ، ورضاء نفسك ، وزنة عرشك ، ومداد كلماتك ، ملأ وعدد وكما تحب اللهم وترضى ، يا ذا الأسماء الحسنى ، والصفات العلى ، والأفعال المثلى ، والذات العظمى العلية .. 

يا ذا الملك والملكوت ، والعزة والجبروت ، ويا مالكا ، ويا ملكا ويا مليكا على عرش كل العالمين إستوى .

سبحانك اللهم وبكل محامدك ، يا أولا بلا بداية ، ويا آخرا بلا نهاية ، ويا أولا ليس قبله ولا معه شيء ولا أحد ، ويا خالق كل شيء وخالق كل أحد ، ويا آخرا ليس فيه ولا دونه ولا بعده ولا معه شيء ولا أحد .. ويا خالقنا في لبس من خلق جديد على الدوام ، ومستخلفنا بين ذاتك العلية سبحانك اللهم ، وبين كل العالمين ..

سبحانك اللهم وبكل محامدك يا نور السماوات  والأرض وقيومهما ، ويا ممسكهما بأنوار أسمائك الحسنى أن تزولا ، ويا من هو كل يوم هو في شأن ..

سبحانك اللهم وبكل محامدك يا ظاهرا بصفاتك العلى ، وأفعالك المثلى ، وباطنا بأسرار ذاتك العلية ، وسبوحات وجهك الكريم  سبحانك ..

سبحانك اللهم وبكل محامدك يا ظاهرا في الشهادة ، وباطنا في الغيب ، أينما نتولى فثم وجهك الكريم .. فتولني اللهم فيمن توليت ، وعرفني اللهم بك معرفة تنير بها بصيرتي بأنوارك ، وتفتح بها بصري لآياتك ، حتى ينعم قلبي بأذواقك ، وتستبشر اللهم روحي بولايتك ، يا رب كل الجمال وكل الجلال وكل الكمال وكل الولاء ..

سبحانك اللهم وطوق اللهم روحي بسبوحات وجهك الظاهرة الباطنة ، حتى لا أغيب عن حضرتك ، ولا يتبلد قلبي عن وحيك ، أو تغفل روحي عن حبك ، ولذة عبادتك ، وحلاوة الإيمان ، وبرد اليقين ..

يا نور السماوات والأرض ، ويا علي ويا أعلى ويا متعال ، ويا من ليس كمثله شيء ولا أحد ، ولا مثله شيء ولا أحد ، ويا من لا تدركه العقول ولا الأبصار ، ولا تحده الضمائر ، ويا رقيب أحكم الألباب ، وأنيس أصفى البصائر ..

سبحانك اللهم وبكل محامدك إهد قلبي هداية تنفي بها عن بصيرتي كل عماها ، وتزيح بها عن روحي كل غشاها ، حتى لا أغيب أبد الآبدين عن تجليات حضورك ، فانيا اللهم في سبوحات نورك ، وباقيا اللهم لك بك بكل عبادة وعبودية ، وبكل عبودة وعبدية ، فانيا اللهم عن كل ما ومن سواك بكل ربانية ، وبكل إخلاص اللهم يا من لا أنت إلا أنت سبحانك .

 سبحانك اللهم يا من ليس لأوليتك بداية تبدِؤها .. ولا نهاية سبحانك اللهم تفصلها عن آخريتك يا أولا في آخريته ، ويا آخرا في أوليته ، ويا واحديا في أحديته ، ويا أحديا في واحديته ، ويا من يدبر ويرى في وبأحديته كل واحديته ، ويرى ويدبر منهما كل خلقه ، وكل حجبه وكل برازخه .. ودون أي برزخ بينهما اللهم سبحانك سبحانك سبحانك ..

سبحانك اللهم وبكل محامدك يا غنيا عن ألوهيته لنا ، المفتقرون نحن  سبحانك اللهم  لها ، ويا من إسمه الله فقط إسمه الأدنى .. ويا من لا يرى سوى بتجلي بعض صفاته في هاته الدنيا : لا نقول اللهم سبحانك - أنت لا أنت - كما تاه بعضنا ، بل - لا أنت إلا أنت - سبحانك ربنا .. 

فاللهم تنزيه في تنزيه في تنزيه ، وأصفار نحن أمام ذاتك وكل العالمين ، يا واجدا فوق كل المطلقات ، ويا عليا على كل الوجود ، وعزيزا على كل الظنون ، وعلى كل العقول وعلى كل الخواطر ، سبحانك اللهم وبكل محامدك ، سبوح قدوس اللهم أنت ربنا ، سبوح قدوس اللهم أنت ربنا ، سبوح قدوس اللهم أنت ربنا ..

فسبحانك اللهم وبكل محامدك يا أولا ولا قبل ، ويا خالقا ولا مع ، ويا آخرا ولا بعد ، ويا ظاهرا ولا تحت ، ويا باطنا ولا فوق ، ويا أقرب إلينا منا ..يا أولا ويا آخرا ويا ظاهرا ويا باطنا ، ويا قريب .. ويا رب كل الحسنيات ، ورب كل المعالي ، ويا ذا الذات العلية .

سبحانك اللهم وبكل محامدك يا من ليس - قبل ولا بعد ولا مع ولا في - ذاته شيء ولا أحد ، ويا متجلي بصفاته في كل شيء وفي كل أحد ، ويا ظاهرا قبل وبعد كل شيء وكل أحد ، ويا باطنا دون أي شيء ودون أي أحد ، أغدق اللهم على كل قلبي وكل روحي وعلى كل سري من أنوارك الباطنة في كل أكوانك ، والظاهرة اللهم بكل أفعالك ، حتى أفنى في تجليات نورك ، وفي نعيم ودك ، واللهم وبكل تسابيحك ، اللهم بكل تسابيحك ، اللهم بكل تسابيحك ..

كما أسألك اللهم بوجهك العزيز الأعز، الكريم الأكرم ، أن تغرقني اللهم في قربك ، وتذيبني اللهم في أشواق حبك  مكرما مرحوما ، ملهما اللهم من بحار لدنياتك عن علم وعين وحق يقين ، موقنا اللهم بعيني الثابتة كاملة مكمولة ، مستمدة ممدودة ، ولا حاجبة اللهم ولا محجوبة ، وبأدنى الحجب اللهم ، وكأنه لا حجب اللهم ، يا حبيب العقل والقلب والروح  سبحانك اللهم سبحانك سبحانك..

كما أسألك اللهم وبإسمك العظيم الأعظم أن تجعلني اللهم بمنك الأقوم ، برزخك الأعلم ، وقهرمانك الأسعد ، لسرك الأعظم، وحبيبك الأرحم : نبينا محمد ..

 عليه اللهم منك كل الصلاة وكل السلام وكل التسليم ، وعلى كل ملائكتك الأطهار ، وكل النبييين والمرسلين ، وكل عبادك الصالحين ..

واللهم ، آمين لي ولوالدي ، ولكل المومنات والمومنين .

وسبحانك اللهم وبكل محامدك آزالا ، وأبد الآبدين اللهم .

الأربعاء، 12 أغسطس 2020

ملاحظة فقهية :

كما أن للفقه علماؤه ، فإن التصوف السني الحق هو تزكية أولياء الله الصالحين قدس الله أسرارهم ، وليس كل شيخ صوفي ولا كل من جمع الناس عليه أو بني عليه ضريح بولي قطعا ، بل قال الله سبحانه وتعالى في صادقي أوليائه :* ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة * يونس 62-63-64 . والبشرى هنا - بعد عدم خوفهم للعواقب وعدم حزنهم ، وبعد إيمانهم الكبير وتقواهم كما تشير الآية -  بشرى وكرامة الولاية في الدنيا والآخرة ، كما أكد ذلك رسول الله صلوات الله عليه لهم في الحديث القدسي برواية للبخاري : * من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما إفترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطيته ، ولئن إستعاذني لأعيذنه  *  وعلى أسرار هذا المقام العلي يتمحور علم التصوف أو لنقل فقه الولاية الذي شرح فيه الأولياء كل أحوالهم وكل مقاماتهم الروحية وسلوكهم القلبي قبلها وبعدها ..

وهو علم محدث في نهاية القرن الثاني للهجرة ككل العلوم الأخرى : كعلم الحديث والتفسير والفقه والنحو والفلك والكيمياء والطب الإسلامي ... وغيرها ..  

وهو بكل بساطة فقه *الإحسان* كأعلى مقام للسلوك الفردي في الإسلام ، ولهذا يعد معهدنا هذا معهدا عاليا لتدريس السلوك الصوفي كفقه إسلامي عملي ، وموجه أولا ثم أولا فأولا لأولي الألباب، ولأولي الفكر والعلم ، ومختص في فقه السلوك القلبي والعمل الصوفي فقط ... 

ولكن كباب لكل العمل الإسلامي ، وذلك لإرتباطه بمدرستنا :المدرسة العرفانية للسلام الإسلامي  كمدرسة فكرية عملية وإصلاحية مستقبلية ..

والتي من أهدافها كذلك : المساهمة في إصلاح العديد من شركيات وقبوريات وبدع ونقائص زوايانا وعقائدها الدخيلة ...

أما لمن لا يهمه التصوف - وكان مهتما فقط بالسنة كفقه - فنوصيه ناصحين : ببدايات فقه السنة هنا